كلما تابعت ممارسة من تلك الممارسات “المثيرة للجدل”، التي احترفتها بعض مصارفنا المحلية، من توريط للناس في القروض أو توقيعهم على أوراق لم يمكنوهم من قراءاتها بصورة جيدة ودقيقة، تبرز أمامي صورة سبق أن نقلتها إلى القراء من قبل، عن زيارة ممثلي مصرف في إحدى الدول الأوروبية لرب أسرة تقدم بطلب قرض من ذلك المصرف، وكان غرض الزيارة محاولة إقناعه بالعدول عن الطلب، ودعوته إلى تنظيم حياته، وترشيد نفقاته، بما يتوافق ودخله الشهري. وشهدت الجلسة بين الطرفين استعراضاً لبنود ذلك الإنفاق، ومساعدته على التخلص من غير الضروري منها حتى يستعيد توازنه المالي.
عندنا تنظر المصارف لباب القروض الشخصية على أنه منجم الذهب الذي تزيد من خلاله أرباحها التي تمكنها من توفير المكافآت المليونية لكبار المسؤولين فيها، فتجدها لا تتسابق فقط في استقطاب أفراد المجتمع للاقتراض وتزيينه لهم، وإنما نجدها تتسابق أيضاً في إغواء المقترضين الحاليين لترك مصيدة القرض الواقعين فيه لفخ أكبر بقرض أكبر. ليس ذلك فحسب، بل تخوض “ماراثوناً” من أجل تكبيله بقيود إضافية تحت مسميات تسهيلات “السحب على المكشوف”، وبطاقات الائتمان المتنوعة بحدود ائتمانية، تشكل بدورها أعباء إضافية للمقترض الذي يجد نفسه محاصراً بالتزامات لا قبل له بها، فتبدأ رحلة التعثر، والمعروف نهايتها المزعجة على الصعد كافة، عندما تصل إلى الطريق المسدود الذي يقود المقترض لخلف القضبان، وتبدأ معاناته وأسرته بعد أن ينقطع مورد دخله الوحيد.
وقبل أيام، تابعت واقعة تكشف صورة من صور الممارسات الغريبة لهذه المصارف، عندما اكتشف مقترض أنه مطالب بعد أربع سنوات من سداد قرضه أن عليه دفع 30% من قيمة القرض دفعة واحدة، في الوقت الذي كان قد اعتقد بأنه أتم السداد وبانتظار شهادة براءة الذمة. وما ضاعف من صدمته أنه كان قد زار فرع المصرف الذي يتعامل، وقيل له إنه لم يتبق من الدين سوى القسط الأخير، لم يكن يتوقع أن هذا الأخير سيكون تلك النسبة الكبيرة على شخص محدود الدخل. وبعد مواجهة البنك بما جرى أوضحوا له بعد فوات الأوان أن قرضه كان ضمن عرض خاص كانوا يروجون له، باسم “ايزي بيي”، يقسط للمقترض سداد 70% من القرض على أقساط شهرية بالمدة المحددة، بينما يكون القسط الأخير سداد المبلغ المتبقي. وهنا يجد نفسه أمام خيارين، إما الرضوخ وسداد المتبقي إن استطاع أو مواصلة الدوامة بالدخول في قرض جديد، والمضي في الحلقة المفرغة لورطة القروض.
إن هذه الممارسات التي تقوم بها تلك المصارف، تعارض نهجاً واضحاً تقوم عليه فكرة ومبادرة صندوق معالجة قروض المواطنين المتعثرين، ويعد ضمن مبادرات صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وهو نهج تعزيز دور المواطن المنتج غير المثقل بالديون، بتعزيز ثقافة الادخار والابتعاد عن القروض الشخصية، لإرضاء نزعات وسلوكيات استهلاكية لأجل مظاهر التباهي.
تمضي تلك البنوك في ممارساتها باسم الاقتصاد الحر الذي لم تر منه سوى جانب توريط شرائح واسعة في المجتمع، متحدية كل اللوائح المصرفية، وسط دور غير حازم للمصرف المركزي للحد من تلك الممارسات.
ali.alamodi@admedia.ae