«البوشيدو روح اليابان»، كتاب جدير بالقراءة ألفه عام 1900 كاتب ياباني شهير هو اينازو نيتوبي، وترجم أكثر من مرة، وفي آخر ترجمة له كانت لصالح هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بواسطة الفاضل كامل يوسف، حينما صدر الكتاب في أميركا تحول إلى أكثر الكتب مبيعا، وكان الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت يهدي منه النسخة تلو الأخرى لأصدقائه لما يحويه من تعاليم ومبادئ تقود الى فهم طبيعة الشعب الياباني وحقيقة الروح التي تحرك هذا الشعب الذي لطالما أبهر العالم بقدرته على الوصول الى قمة التحضر المادي وفق السمات الغربية مع احتفاظه بالروح اليابانية الأصلية التي تسكن الأسلاف الأوائل.
سر الروح اليابانية تكمن في البوشيدو التي تعني حرفيا “طرائق الفارس المحارب”، إنها وصايا النبل، أو المبادئ الأخلاقية التي كان الفرسان اليابانيون يلتزمون بها، وهو قانون شفاهي يحظى بكل التقدير، وربما كان يحتل المرتبة التي احتلها الدستور في التاريخ السياسي، ومع غموض الفكرة إلا أن اليابانيين يدينون للبوشيدو بكل ما وصلوا إليه، تماما كفكرة الساموراي أو الحرس المرافقون، فهؤلاء طبقة مميزة وخشنة لا تخلو من بدائية إلا أنها مثلت على الدوام رمز الرجولة، والشجاعة والطاعة وظلت تحظى بالإعجاب الشديد حتى بنت عليها السينما الاميركية العديد من الافلام الناجحة كفيلم الساموراي الأخير !!
أول مصادر البوشيدو هو البوذية المؤمنة بالقدر وحتميته، وتعاليم الزمن التأملية، والشنتوية التي تحض على الولاء وإجلال الأسلاف، والخير الفطري المضاد للخطيئة كما لدى بعض الديانات، والوطنية، فالإمبراطور وفق هذه المبادئ أسمى من الحاكم الأعلى للدولة، إنه التجسيد العضوي للسماء على الأرض، لذلك فإن اليابان الدولة الصناعية الديمقراطية التي تنهج الديمقراطية والليبرالية السياسية لازال شعبها ينظر إلى الإمبراطور باعتباره ابن السماء ويحمل له التقديس الذي لا يقبل المساس برمزيته وشخصه، كما أن تعاليم الحكيم الصيني كونفوشيوس تعتبر مصدرا خصبا من مصادر البوشيدو التي تقرن المعرفة بالعمل.
أول مبادئ البوشيدو هو العدل والاستقامة، فلقب مثل “جيشي”، الذي يعني المستقيم من أسمى الألقاب اليابانية فالاستقامة توأم الشجاعة، ويقترن بـ”الجيري” الذي يعني الواجب حيال الوالدين والمرؤوسين والرؤساء، أما ثاني المبادئ فهي الشجاعة والتحمل حيث الشجاعة حسب كونفوشيوس هي فعل ما هو صواب، كما الشجاعة أو التحمل هو أساس طول العمر كما يقول حكماؤهم.
المبدأ الثالث هو الرحمة والعطف اللائقين بالأمراء، فرحمة الفرسان وقفت دائما حائلا بين تحول النظام الإقطاعي الياباني إلى الاستبداد فالفارق بين الحكم الاستبدادي والأبوي يكمن في فضيلة العطف التي تجعل الشعب خاضعا للامبراطور ولكن بكبرياء، أما اللطف والتهذيب كأبرز خصال الياباني فهي من مبادئ البوشيدو الهامة بشرط أن يكون مردهما التقدير وليس الخوف، ما يجعل الياباني شخصا يدنو من الحب ويبتعد عن الحسد والرياء، لأنه تربى على الاحترام لا على الخوف !!
ضبط النفس فضيلة يابانية، وفضح المشاعر عار على الرجل الياباني، لذلك فهم ينظرون بازدراء للأزواج في أمريكا الذين يقبلون زوجاتهم في العلن ويضربوهن في السرِّ بينما الياباني يضرب زوجته في العلن ويقبلها في السر. الياباني بطل في “فن حجب الأفكار” أما عند المصائب فيلجأ الى الفكاهة لأن المرح يعيد التوازن للمزاج والجسد، لذلك كانوا ثابتين عندما اجتاحهم تسونامي الأخير. إن السر في تربية البوشيدو.


ayya-222@hotmail.com