في برنامجه الشهير، دكتور فيل، توجه الطبيب النفسي ومقدم البرنامج الدكتور فيل إلى المشاهدين قائلاً أيها الأزواج احذروا الإدمان على “الفيسبوك” والمواقع الاجتماعية الأخرى، واعملوا على استعادة التواصل مع الأشخاص الحقيقيين في حياتكم، حيث تقدم إليه عدد من الأزواج شاكين إدمان زوجاتهم على موقع “الفيسبوك” الاجتماعي الشهير، إلى درجة أن بعضهن وبعضهم صار يجد في هذه المواقع بديلاً مثيراً ومسلياً يهرب إليه من مشاكل الحياة وإحباطاتها وبرودة العلاقات داخل مؤسسة الزواج إلى علاقات وإن بدت أنها وهمية أو افتراضية، إلا أنها بخيالات وأوهام نفسية صارت تسيطر على عقول الكثيرين وتشكل لهم حياة بالتوازي مع العالم الحقيقي.
ومنذ عدة أيام، ضربت سيدة متزوجة زوجها بسبب إدمانه على هذا الموقع، وهو في السرير، بحيث لم يعد يهتم أو ينتبه لوجودها معه، بينما اعترفت زوجة أخرى للدكتور فيل أنها استبدلت إدمانها على الكحول بإدمان “الفيسبوك”، وهو إدمان مقبول بالتأكيد إذا ما قورن بالإدمان الخبيث على الكحول، لكنه في كل الأحوال حين يصير إدماناً سيفرز سيئاته وسلبياته هو الآخر ولن يعود الأمر محموداً عندها، وهنا نتساءل: ما هي حكاية الهروب هذه؟ لماذا يهرب الجميع إلى هذا العالم الافتراضي المسمى بـ”الإنترنت” ومواقعه التي لا تعد ولا تحصى؟ ومم يهربون؟ أو من ماذا يهربون بالضبط؟
الطفل يهرب إليه، المراهق يدمنه، الشاب يتعلقون به حد الهوس، الناضجون من الرجال والنساء بدأوا في الدخول إلى عالمه الواسع وطاب لهم الإبحار فيه، ولا يهم إن كانوا يستفيدون أو لا يستفيدون، يهدرون أوقاتهم أو لا، المهم أنهم بالتأكيد مستمتعون جداً بهذا العالم ومرتاحون جداً، وإلا ما كانوا أدمنوه جميعاً وبهذه الأعداد التي يقول الموقع إن عدد مستخدمي “الفيسبوك” قد تجاوز الـ500 مليون شخص!!
يبدو الأمر وكأن عالماً أو إمبراطورية افتراضية قد أُسست لتوجد بالتوازي وبالتزامن مع الإمبراطوريات والدول العظمى في العالم، إمبراطورية لها لغتها، وقوانينها الخاصة، لها نطاقها الجغرافي، ومنظماتها العالمية وقد تجاوز عدد سكانها 500 مليون نسمة، أي بمقدار أكبر من عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية، وعما قريب سيتفوق العدد على سكان الصين، وهي إمبراطورية تمنح انتماءها أو “جنسيتها” ببساطة تامة لكل من يرغب في الانتماء إليها، لكنها توقع عقوبات صارمة أيضاً في حق من ينتهك القوانين والاتفاقيات. فهل مازال هذا العالم افتراضياً كما نعتقد؟
هو عالم افتراضي، العلاقات فيه قائمة على الوهم أكثر مما هي على الواقعية واليقين، فأنت تتعامل مع أشخاص لا يمكنك التثبت من جنسهم ولا أشكالهم ولا أعمارهم أو أسمائهم أو بلدانهم، وهنا فأنت عرضة للنصب والاحتيال والغش وبالتأكيد للكثير من الشك، ولهذا فالدول المتقدمة قد أنشأت شعباً خاصة في إداراتها الشرطية لمكافحة الجريمة الإلكترونية، فقد تعرض كثير من الناس خاصة المراهقين لعمليات نصب واحتيال واغتصاب وأحياناً اختطاف وقتل على أيدي أشخاص مهووسين ومرضى نفسيين يتعقبون الصغار عبر الشبكة العنكبوتية وعبر “الفيسبوك” تحديداً!
صرخة الدكتور فيل مهمة، وعلينا جميعاً أن ننتبه لأبنائنا في تعاملهم مع هذه المواقع؛ لأنهم شديدو البراءة، بينما مجرمو “الإنترنت” شديدو الذكاء والخبث، فلننتبه لهم جيداً إن لم ننتبه لأنفسنا.


ayya-222@hotmail.com