لدى بعض الأشخاص براعة فائقة في التشبث بالمناصب، حتى ولو كانت صورية أو تطوعية والهدف هو إثبات الوجود حتى في الفراغات والهوامش وأرصفة الوظائف.. والمؤسف أن هذا الطغيان يبرز لدى المثقف قبل غيره، يبرز لدى صاحب اللسان والبيان مستخدماً ذلك للتسخير والتجبير، والتجبير والتمرير وأحياناً للتدمير وتغيير ملامح الحقيقة لتصبح معطفاً مفصلاً على قياس صاحب التدبير، متناسباً مع متطلبات طموحه، اللاهث خلف كرسي حتى وإن كان مصنوعاً من سعف النخيل، لأنه يرى في الكرسي نفسه، فعندما يجلس ويطوقه الآخرون بالكلام والأفلام الخيالية الفجة، يشعر بانتفاخ الأنا وتورم يصل إلى درجة التأزم. في أغلب الجمعيات التطوعية نرى أشخاصاً يقاتلون من أجل البقاء على الكرسي، ويستخدمون مختلف الوسائل لأجل القبض على أرجل الكرسي، كي لا يهرب ويقتنصه غيرهم، وأشخاص يعتبرون ذلك إرثاً تاريخياً لا يمكن التفريط به، فهروب الكرسي يعني بالنسبة لهم هروب الحياة، فهم يتنفسون أو ينظرون ويسمعون ويتذوقون من خلال الأشعة الضوئية، التي يصدرها المنصب المزعوم، هم يرون أنفسهم من خلال هذا المكان ولا مكان لهم، في الجملة الإنسانية إلا ذلك المكان.. وذلك الكرسي صراع بقاء ودسائس وحكايات وروايات ومهاتفات تليفونية سرية تجري خلف الجدران وجمع فتات وشتات أصوات مؤيدة لأجل الفوز بهذا الكرسي البائس الفقير وأشخاص مستعدون أن يبيعوا العالم من أجل الظفر برئاسة ثانية وثالثة ورابعة إلى آخره، لأن الحياة في عيونهم لا تزهر ولا تزدهر إلا بالقعود على مقعد التقاعد الأزلي.. جمعيات كثيرة قاتل رؤساؤها من أجل الوصول إلى منصة التتويج الرئاسي، وبعد الجلوس تجلس جل الإمكانات والطاقات ولا نسمع لها أثراً ولا خبراً ولا سراً ولا جهراً، هذا بطبيعة الحال لو استثنينا اتحاد الكتّاب الذي يتوسط الجميع بصوت مرتفع مقدماً نفسه كمنبر يصدح بخطاب ثقافي ميز نفسه عن باقي المنابر المشوهة، وأعتقد أن السبب الأساسي في ضياع هوية بعض الجمعيات هو هذا التهافت المريع، وهذا الانصياع للذات دون مراعاة لحقوق المكان، بالإضافة إلى تكلس الدماء وبدون تجديد أو إعادة تدوير الحياة بإدخال دماء جديدة تعيد الحياة والحيوية، وإحياء من ينام على سرير العناية الفائقة، نتمنى من إخواننا وزملائنا وأحبائنا أن العمل التطوعي هو عمل وطني والوطن بحاجة إلى أشخاص متصالحين مع أنفسهم، متفوقين على ذواتهم. Uae88999@gmail.com