في جلسة استرخاء، وتعفف بعد تأفف، قال أحدهم متفاخراً متبختراً: الدنيا بألف خير، ولا أشكو بأساً فلديَّ ست خادمات على كفالتي يقمن بالخدمات اللازمة، ولا ينقص أم العيال سوى أنها تشير بالبنان الرطيب، أو تنبس بالفم الخضيب فيأتين لاهثات خاضعات خاشعات راكعات ملبيات الأوامر بكل ضراعة ورضا نفس وطيب خاطر.. ثم وهو يتجشأ قائلاً: الأحوال تغيرت والدنيا ما عادت كما كانت ثم يسرد من قصص الماضي وهو يمج سيجارته، مسترسلاً مستأنساً الحديث قائلاً: كان الإنسان في الماضي يكد ويشقى ولا يلقى غير الزهيد من العيش، وكان الرجل تسحله سياط الشمس، حتى تحول بشرته البيضاء إلى غلاف نحاسي متحشرف كجلد سمكة “الشعري”، أما المرأة فقد عانت ما عانت، وواجهت من شظف العيش ما أنهك روحها وأهلك جسدها، فتجد المرأة في سابق العهد وهي في عمر الزهور وكأنها عجوز في الخمسين أو الستين.. ويتمطق الرجل مبتسماً قائلاً.. أما اليوم فالمرأة “غير”.. نعم المرأة تتشبب في كل لحظة وتأخذ بأسباب الزينة، ما يجعلها في ريعان الشباب وأتم الأناقة، وأوج اللياقة زاخرة بكل ما تجود به صالونات التجميل، كل هذا بسبب حالة الاسترخاء التي تتمتع بها وتوافر كل ما يلزمها في غمضة عين، وهي تعيش تحت رعاية وحماية الخدم والحشم الذين يقومون بجميع الواجبات المنزلية بدءاً من المطبخ وانتهاءً بغرف النوم التي تحظى باهتمام الخدم الذين يقومون بالترتيب والتهذيب والتوضيب، وبث العطور والبخور ما يفتح النفس ويشيع جواً رومانسياً رائعاً يطيل العمر.
نعم.. مثل هذا الرجل هناك كثر، ممن يزخر بهم تاريخ الإمارات الحديث، وهناك من يشاطرونه الرأي، ويؤكدون أن زيادة عدد الخدم دليل على النعيم وهو مفخرة لابد من الاتكاء عليها، لأنها الباعث الوحيد لــ “قوة الشخصية” وقوة السطوة والحظوة لدى الأسر.. نعم مثل هذا الرجل كثر، ممن يعتبرون الخدم وأعدادهم الغفيرة في المنازل والتي تزيد في كثير من الأحيان على عدد أفراد الأسرة ظاهرة صحية، لأنه من غير هؤلاء فإن أم العيال والعيال لا يستطيعون تحريك فنجان قهوة من مكانه على المنضدة إلى مكان آخر في المطبخ مثلاً.. وعندما تنظر إلى هذه الحشود الجارفة الزاحفة الطافية على السطح كالفطريات تشعر بالرجفة، وعندما تقرأ عن الجرائم والظواهر الاجتماعية السلبية ينتابك الفزع وعندما ترى المعاملة السيئة لهؤلاء في بعض الأسر يقشعر بدنك، وعندما تسمع عن طفل سممته خادمة أو قطعت أوصاله وألقته في برميل القمامة لسبب خلاف مع أهله يستولي عليك الجزع.. وعندما تمر في طريق ولا تجد لك موطئ قدم تمر به من شدة الزحام تقول.. كيف ستحل التركيبة السكانية والحال هكذا؟


marafea@emi.ae