يمكن للإنسان أن ينسى صورة المعلم الأول، والتي تغيب باهتة في طرق الحياة، يمكنه أن ينسى زملاء المقعد، فلا يتذكر ملامحهم التي تغيرت بسرعة، يمكن لصورة بائع البقالة في الحي أن تتماهى في الشيء الأسمنتي الجديد، يمكن حتى صورة الفتاة التي كانت تتقافز لحضورها حمامة القلب، والتي إن نظر إليها خلسة، سرق من وجهها حُسناً، أن تغيب في ثنايا الذاكرة، فلا تعود إلا مع همهمات المطر إن باغت نوافذنا فجأة أو حين تتعب القدم، ويريد أن يستريح تحت ظل تلك النخلة التي دُفن تحتها شعر رأسه المجزوز في أسبوع طلوعه، وجوه كانت على المائدة الصغيرة تنسى، وجوه كانت في السفر تنسى، وجوه كنت تحبها، وتنساها، فلا تتراءى لك اليوم إلا كوجوه المحاسبين وقت ضجرهم المالي، وجه مدرس الرياضيات، يغيب وتنساه، فلا يذكرك به إلا عَرَق الأحلام، وجه المدير في المدرسة الإعدادية، من يتذكره؟ كثيرة هي الوجوه التي ينسيك إياها الزمن أو تتطاير ملامحها في رحلة الزمان والمكان، ما عدا وجه «المختن»، وحده وجه المختن يستعصي على النسيان، ويظل يحوم كشبح أزلي، تتذكره، وتتذكر خوف ذلك النهار الذي لبست فيه ثوب العيد، المُخزّن للمناسبات، معتقداً أنه ذهاب في فرح، فإذا صف من الصبية أترابك سبقوك، فتعتقد أنهم غنموا شيئاً، وخسرت أنت أشياء، كانت ظلة تلك السدرة باردة ذاك النهار، و«بيب» كان يوماً للزيت، واليوم له مهمة أخرى، حيث سيكون مقعداً للأولاد لدقائق في مواجهة ذاك الشخص الذي لن ينسوا ملامح وجه ما عاشوا، الشخص يعرفونه في المسجد، وفي مدرسة القرآن، وفي الأعراس، وأيام ما كان هنالك مالد، وإذا اقتضى أن يكون متواجداً في «العزيمة على الزيران» وكتابة «المحو»، لكنه اليوم سيسمي على الأولاد الصغار، ويبتر منهم شيئاً لا يعرفونه، بعد أن يسن «موسه» على تلك القطعة الجلدية المتهالكة، وهو يقول:«هوي هوس يا كريم»، لحظات ويغيب الطفل المختون عن الحياة، لا يعيده إليها إلا حرق «العايدين» على الجرح، ودوي الرصاص من مخزن الأب، وبندقيته «الكند» فرحاً بفحولة ابنه المبكرة، وستتلاقفك أيدي الرجال، «يغلونك» عالياً من واحد لآخر، لكي تذهب عنك «الروعة»، وترد لك «حاسيتك»، في ذاك النهار الذي يغدو كعرس جماعي لأولاد لا يزيدون على السبعة، ولم يتجاوزوا السابعة، ذبائح وعرضة ولعلعة رصاص، وحدهن النساء ساكنات البيوت، ينتظرن وليدهن أن يعود من رحلة الدم والتطهر، ليلبسنه ثوباً قطنياً شفافاً «سانسوني»، وليمكثن أسبوعاً يطعمنه، ويدارينه، ويحركانه من ظل جدار لآخر، حيث لا يقدر إلا على الحبو أو يباعد بين قدميه في المشي البطيء، كان مشهد «المختونين» الجماعي في استراحتهم الإجبارية، مثل صقور حالّة على أوكارها، يحاولون أن ينسوا وجه «المختن»، فلا ينسونه للأبد!. amood8@yahoo.com