قال الموهوم: لا تدع الجنوح يُغويك فتهلك، ولا تسلَم نفسك للحب لأنه سيُرديك. وما درى أن أجنحتي استطالت يوم شقت بنظرتها الوجود فولد الضوء، وتوالدت في أفق ترحالي نحو عينيها النجوم. كلما فتحتُ طريقاً في النهايات وجدت البداية عذراء والزمان بالكاد يبدأ. ثم أطلّت بوجهٍ شدّني من شغافي حتى طالت قامتي فصرتُ أرى الجبال قصيرة، والبحر دمعة، والرمل جمراً كثيراً. يا أيها الموهوم انتبه. ها هو الخوف يُهزم مذ تلاقينا. وها هي الغواية تصير الغاية والمصير. قال المصدوم: وردة الحب تذبل لا محالة، لكن شوكتها تظل نافرة على الدوام. ولن يعرف المصدوم أن الحب، إن طغى، يقلبُ النار جنةً ويصير برداً سعيرها. وأن العاشق كلما مشى في طريق الشوك، صار دمه نهراً يروي ينابيع الأمل، ويجدد في نفوس التائهين الرغبة في اكتشاف الحياة. وما الحياة إلا أن أرى عينيها صفحة بيضاء في مصير أبيض. قال المطعون: الحبُّ غدرٌ والفراق يظل منتظراً في منتهاه. ولم يعرف أن الحب هو اللانهاية، حين تدور الأغنية في فمنا ويرحل صداها متردداً في الكون كله. أناديها من على جبلٍ في أول الأرض: يا حبيبتي.. أنا طائر العناق أسابق العنقاء نحوكِ فاقبليني. وهي تناديني من على قمرٍ في آخر الأرض: أقبل يا جناح المستحيل، وطر بي في خيالٍ أخير. قال العالِم: شرطُ الحب أن تظلا متوازيين، وأن يظل قطاركما سائراً بلا نهاية أو محطات. وما علِمَ أن عيوننا تلتقي رغم كيد المسافات. وأن خطوة واحدة، حين تمد رجلك بصدقٍ في الحب، تجعل من تلك اللحظة تعادل الزمن كله. وأن كتلة صغيرة من الحب تسد فراغ الوجود كله. قال الشاعر: الناسُ أسرى أسرارهم والحبُ مفضوحٌ في العيون. ليس العقل مكان الحب، وإنما في الجنون. وما أبدع الشعراء حرفاً في الحب ولا زادوا. هذه أقلامهم بُحّت وهي ترسم ما لا تراه العيون. شكلاً لوجهك لم يشبه النور، واسماً لمعنى وجودك لم يكن قبل اندفاعي في الحروف افرّق بعضها بعضاً وأصنعُ من قوافيها صفاتكِ. شرقُ الوجود جبينكِ والليل شعركِ منساباً حتى الخلود. وتحتهما لاهيا موج نورٍ من بوح عينيكِ، وشمسان هما الخدان، وثغركِ نبع عطرٍ، والوجهُ كونٌ آخر فيه هذا الكونُ يدور. قال قلبي: تمنَع لملم جنوحك وجناحيك إن دخلت الحب لا شك تهلك وقد تختفي، حين يُغلقُ بابه عليك. akhozam@yahoo.com