السادية، عدوانية شخص موجهة إلى الخارج فأينما تجد إنساناً سادياً، تجد في مقابله أسرة تعاني من تصحر عاطفي، ومن جفاف في البيئة الاجتماعية. لا يمكن معالجة الشخص السادي دون النزول إلى البئر الذي خرج منه. عندما تجد طفلاً ممتلئاً بمشاعر أشبه بالأعشاب الشوكية، فتأكد أن هذا الشخص جاء من أرض لم تذق طعم المطر العاطفي، تأكد أنه يواجه محنة الضربات القاسية التي تلقاها من والدين العلاقة بينهما مثل العلاقة ما بين المفترس والفريسة.
فدائماً عندما تواجه شخصاً سادياً فتش عن الوكر الذي جاء منه، فالإنسان صنيعة واقعه، ولا يمكن أن تأتي الشخصية العدائية من فراغ، فلكل نبتة جذر، ولكل جذر تربة، وكل تربة حتى تنبت زرعاً طيباً، تحتاج إلى مزارع يعرف كيف يعتني بالتربة، وكيف يشذبها من الطفيليات والبقايا الفاسدة، ليتمكن من إنتاج الثمرات الصالحة لبناء مكون غذائي يعيش، وينمو ويتطور عليه المجتمع.
الشخص السادي لم يتشبع بهذه المكملات الغذائية، وخرج للعالم وهو يحمل في داخله فراغاً ملتهباً، ودمامل متقيحة، ولكي يثبت للعالم أنه صحيح، معافى يبدي شعوراً مغايراً لما يحس به، ويبرز سلوكاً يبين من خلاله أنه أقوى مما يتصوره الآخرون، وأنه يملك من القدرات الجسدية، ما يؤهله لتزعم فئة من البشر، وقيادتها، وفرض شروطه عليها، إلى درجة الاستعباد والاضطهاد، ومن هذه التصورات الذهنية، المقلوبة تبدأ شوكة العدائية في البروز والتطور، إلى أن تكمل دورتها في النشوء، ويصبح الشخص على أتم الاستعداد لتفريغ هذه العدائية في وجه الآخر.
وفي صلب السادية تكمن القسوة، والتمادي في جر الآخر في معارك دموية، قد تصل إلى القتل. لذلك ما نشهده من سلوكيات شاذة بين طلاب المدارس، ينبغي ألا يؤخذ باعتباره مجرد شجار بين صبية صغار، لأن ما لاحظناه، لا يعبر عن مزحة، أو خلاف عابر، وإنما هو يشير إلى بؤر خطر بدأت تنمو، وتترعرع على تربة أسرية سيئة الطالع، بعد أن فقدت السفينة الأسرية بوصلة الوصول إلى شواطئ الأمان. فعندما تغزو العدائية مجتمع الأطفال، وتكتسح عفويتهم، وتخرجهم من براءتهم، فيجب أن نشد الحزام، وننتبه إلى أن طارئاً ما سوف يحدث، وإن هذه الهزات الخفيفة، تعلن عن خطر أكبر، ربما يختفي الآن تحت ذرائع معينة، ولكنه قادم لا محالة إن نحن أغفلنا دور الأسرة، وألقينا المسؤولية كاملة على عاتق جهات أخرى، متملصين من واجبنا الوطني، هاربين إلى الخلف حتى لا يطالنا تأنيب الضمير.
ومن الواجب أن نضع مثل هذه الظواهر تحت المجهر، ونتتبع إفرازاتها، لأنه ما من فقاعة إلا وبعدها موجة عارمة، وما من دخان، إلا ويخرج من فوهة نار.