عن الذين يشترون الفرح··!
ما هو مصدر الفرح؟ هل ينبع الفرح من داخلنا أياً كانت الظروف المحيطة بنا وسواء كانت تلك الظروف تقود إلى الفرح أو تقود إلى عكسه تماماً أم أن الفرح سلوك إنساني جماعي يتعامل بحساسية عالية في علاقته بالخارج فيعلو وينخفض ويزيد وينقص بحسب الظروف وأمزجة البشر؟
كان موضوع الفرح بكل ما يحمله من أسئلة ودلالات موضوع حديث طويل وشيق وحين قال أحدهم إن فرح الإنساني يأتي من داخله دون حاجة للخارج، كنت أول من اعترض على هذا الرأي، فالفرح لا يأتي من الداخل وهو ليس مثل القناعة مثلاً أو مثل الإيمان، الفرح ليس قيمة أخلاقية إنه سلوك إنساني له علاقة مباشرة بما يحدث حولنا، مسؤوليتنا الأولى في الفرح هي مدى رغبتنا أو استعدادنا له، لأنك ما لم تكن مستعداً أو راغباً في البهجة فإنها لن تخترق قلباً يعلوه ضباب النكد أو ظلام التعاسة، أن الفرح لا ينبع من داخل الإنسان وحده، لأنه ببساطة سلوك جماعي يحتاج إقامة طقوس مشتركة بين الناس، فهم يستمتعون بالطعام لأنهم يتشاركونه وبالسفر والمشي معاً، وبشرب الشاي أو القهوة لأنهم يجتمعون معاً ليس لأجل القهوة أو الشاي ولكن من أجل متعة اللقاء وما يتركه في دواخلهم من شعور بالبهجة والفرح والراحة·
لا يمكن أن يمارس الإنسان فرحاً غامراً وبهجة ظاهرة وهو يعيش لوحده، يسافر منفرداً ويسكن أكثر القصور فخامة، لأن الإنسان كما قال ابن خلدون منذ قرون كائن اجتماعي بالفطرة، ولذلك يتأثر استعداده للسعادة بما يحدث في الخارج، سواء كان هذا الخارج محيط العائلة أو الأصدقاء أو حتى المحيط العام بما يحمله لنا وما يصبه على رؤوسنا من أخبار القتل والزلازل وصور الكوارث والموت اليومي، فهل يمكن للإنسان أن يشعر بالسعادة وهو يعيش هذا الواقع؟ نتساءل ما الحل، هل الحل بالاستسلام للبؤس والنكد لأن هناك من يريد لهذا العالم أن يمتلئ بالتعاسات؟
بالتأكيد لا أحد يريد ذلك أو يطلبه من أحد، فهناك أكثر من طريقة للقبض على الفرح لكننا لا نحاكم الواقع الآن إننا نبحث في مسألة بدأت تفرز في واقعنا ظواهر اجتماعية ذات دلالات لها علاقة بموضوع السعادة والبهجة!
إننا نبدو منشغلين دائماً، نسرع في كل الاتجاهات، نركض خلف العمل والمواعيد والاجتماعات، وعالم البيزنس، إن ذلك كله لا يترك لنا مجالاً للالتفات إلى الوراء للتفكير في أشخاص ما عادوا يستطيعون الجري مثلنا وما عادت لديهم هذه الشواغل التي لنا، إن الوحدة التي يعيشون فيها تغرقهم في التعاسة والحزن وبمرور الأيام يتحول هذا الصمت والحزن إلى أمراض عصية على المعالجة كالسقوط في الاكتئاب والعزلة وغيرها·· لقد دفع هذا الواقع بعض السيدات الكبار والرجال الكبار في السن إلى اللجوء لإيواء بعض الآسيويين في بيوتهم من أجل الاستئناس بهم، تسأل الفتاة الصغيرة جارتها لماذا ينام أطفال الخادمة في غرفة نومك دائماً؟ فتقول لها إنهم يؤنسونني ويملأون وحدتي بالبهجة حين نسيني أبنائي وأقاربي، إنهم عائلتي الجديدة!!
وللحديث بقية··
ayya-222@hotmail.com