ارحموهم يرحمكم الله
حمَّلوهم فأثقلوهم، فأرهقوهم وأتعبوهم، فأشعلوا نيران التعب على الكتفين الصغيرتين، فصاح الجميع واكتفاه·· واويلاه·· وعندما تسأل من المسؤول، يصرخ إداريو المدارس اسألوا المناطق التعليمية·· ونحن بدورنا نسأل ونريد أن نفهم ونتعلم من درس الأعمال الشاقة، ما يفيد ويعيد النظر في مثل هذه المأساة التي يواجهها أطفال صغار في عمر الزهور، ولا تزال عظامهم غضة طرية في طور النشوء·· الذين قرروا دون أن يتبصروا ويتدبروا أليس لديهم أطفال يطلون عليهم في كل صباح بطلعتهم المزرية والمخزية والمحزنة والمؤسفة؟ ألا يشاهدون هذه المناظر والأبناء الصغار يلهثون وينفثون أنفاس تعبهم وشقائهم وعنائهم، وانكسار ظهورهم وانحناء رؤوسهم وتدفق آهاتهم وأناتهم وهم يخوضون معركة البقاء ذهاباً وإياباً الى المدارس؟ نسأل ونتمنى الإجابة الصريحة والواضحة لعلها تدحض ما نتصوره ماذا يضير المربين والمسؤولين عن تربية النشء، لو غيروا من الفكرة السائدة البائدة، ووضعوا أيديهم على الجداول المدرسية، وأشاروا بالبنان وبتبيان على المواد الدراسية اليومية التي تقدم للطالب الصغير بكثافة بحيث لم يعد بإمكانه التخلص من كتاب واحد من الكتب التي غرفتها المدارس من مخازنها وألقتها جزافاً في حقائب الطلبة لتصبح هذه الكتب أوزاراً تتبرأ منها الجبال الشم، وتأنف من حملها الأرض بما رحبت وتعاظمت·· جداول مدرسية بات النشاط الرياضي والفني غائباً إلا ما ندر، الأمر الذي جعل من المواد الدراسية حاضرة وبكثافة وصلافة، تجعل من الطالب الصغير ينظر إلى هذه الكتب المتراكمة في حقيبته وكأنها رصاصات الموت أو قنابل موقوتة يتوقع أن تنفجر في وجهه في أية لحظة·
هذا الإرغام إشارة واضحة على تأكيد الأحجام من جانب الطلبة وابتعادهم عن الهم المدرسي والوصول الى مرحلة السأم والملل من اليوم الدراسي، وكأن هناك حملة مدبرة تجري في الخفاء لتنفير الطالب من المدرسة وزرع الكراهية في نفسه تجاه العلم، وخلق حالة من الجفوة إزاء الكتاب·· وربما لا تكون مقصودة وقد جاءت من عدم علم ودراية بالنفس البشرية، ولكن نحن نأخذ الأمور من ظاهرها، وما نشاهده ونلمسه ونحسه من مشاعر هؤلاء الصغار المتأففين الخائفين العازفين عن التصالح مع مؤسسة هي من أهم المؤسسات المجتمعية، وهي الركيزة التي تنطلق منها كل الكوادر باتجاه المستقبل·· والإلمام بأهميتها يستدعي الوعي بأهمية كيف نتعاطى مع الأعشاب الخضراء التي توشك أن تتفتح ولا نريدها أن تتفتح على إحباط وتثبيط للهمم، وتخفيض للرؤوس، وانحناء للظهور وانزواء في خانة اليأس وقلة البأس ونكوص النفس الى مزالق القهر والانكسار·· فمن بديهيات التربية وأولوياتها رفع الهامات وشد القامات وإزالة الأشواك الوخازة من طريق أقدام أصابعها الصغيرة لا تزال ندية طرية، لا تقوى على العقبات والكبوات والنكبات وهواية من يريد أن يجرب ويجعل من الرؤوس الصغيرة معامل للتجارب ومسائل حسابية أقرب لوغاريتمات·
نتمنى أن ينزل التربويون الى الميدان ويرصدوا المشهد السوداوي بأم أعينهم، ويلاحظوا ويسجلوا في يومياتهم اختفاء الابتسامة من وجوه الصغار، وكأنهم ذاهبون الى حرب ضروس عبوس· نتمنى من التربويين أن يفهموا التربية أنها تدريب على العلم وليس تجريباً على حمل الهم والغم والسقم·· نتمنى منهم أن يخففوا من مكابدة الصغار حتى لا تصبح وباء عضالاً ما منه فرار·· نتمنى والأمنيات كثر