في الأماكن التي تشبه المتاهة تحت الأرض أو فوقها تجد إشارة تحمل اسم «مخرج» تظل تتبع هذه الإشارات حتى تصل في النهاية وتخرج من ذلك المكان الضيق الذي أوشك أن يخنقك. وفي الحياة، تبدو الأزمات أيضاً مثل أماكن ضيقة تصارع للخروج منها. تشتغل على كل الأفكار الممكنة، تبحث عن الحلول، تطرق الأبواب، تجرب أن تتواصل مع كل الأشخاص المعنيين لعلك تصل لمخرج، يربكك الوضع، يوترك، قد يجافيك بسببه النوم، ويسدّ شهيتك عن الطعام، ويضع على عينيك غشاوة فلا ترى في الحياة جمالاً ولا متعة. وحده من اعتاد رفقة الكتاب لا يصاب باختناق الأزمات. تظل الأزمات أياً كانت وعلى أي مستوى، إما قابلة للحل، وهذه يبادر الإنسان لحلها مباشرة، أو غير قابلة للحل، وهذه لا يحرق عمره في القلق بشأنها. الكتاب يعطيك أرضاً تقف عليها حين تهتز بك الأرض. يعطيك جداراً تستند عليه حين تنهار من حولك الجدران. يعطيك دفئاً حين يشتد البرد في الأجواء وفي تعاملات الناس معك، ذلك البرود الذي يتلقاك به أخ أو صديق أو حبيب، وتتساءل: «لماذا؟» ويأكلك السؤال. الكتاب يهدئ من جرح الأسئلة، فتسترخي في تأمل حكيم لتغير البشر. الكتاب يعطيك مكاناً تذهب إليه حين تسأم من كل الأماكن وتبحث عن مكان جديد لم تكتشفه بعد. الكتاب يعطيك سفرا حين يخونك جيبك فلا تمتلك ما تسافر به، الكتاب يعطيك رفقة حين ينشغل الناس من حولك بأحوالهم وتبقى وحدك. الكتاب يعطيك إحساساً بالرائحة وإحساساً بصوتك ورهافة سمعك ورقة السكون في بصيرتك، حين توشك أن تفقد حواسك من طول الخمول والصورة المكررة في مشهد يومي تنبت على سطحه الطحالب. الكتاب يعطيك أملاً، بأن هناك جديداً، مع كل كتاب تقع عليه يدك أو تسمع عنه. أن تتبع أخبار الكتب، أن تشدك عبارة قالها أحدهم عن كتاب قرأه، أن تشعر في قرارة نفسك أنك تود أن تقرأه، أن تعتمل في قلبك هذه الرغبة، رغبة التوق لقراءة كتاب جديد سمعت عنه، هكذا أنت حي، وبجدارة. هذا الاستعداد النفسي لتلقي أخبار الكتب، السير إلى حيث توجد، الحرص على اقتنائها، الحرص أكثر على قراءتها، هو طوق نجاة من أزمات الحياة المختلفة، وتقنية للحفاظ على محركات الحياة الأساسية من الاهتمام والفضول والدهشة. القراءة مخرج لك إلى الأمل، إلى النور، إلى اليقين المطَمئن بأن هناك في آخر النفق حتماً ضوءاً مبهراً.