ما يطمح إليه كل شريف في هذا العالم أن تنتهي مفاوضات جنيف التي يتوسط فيها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى إيجاد حل يوقف الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب السوري، ويوقف النزوح والقتل اليومي في ذلك البلد، وآخر هموم المواطن السوري والإنسان العربي، وكل من يهمه أمر سوريا، هو من الذي سيحكم سوريا، فليس أمامنا اليوم أحد يستحق أن يحكم هذا البلد العريق الذي دفع ثمناً غالياً وشعبه يطلب الحرية والعدالة، فهل ينجح دي ميستورا أم يفشل، كما فشل سابقاه كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي واستسلما قبل أن ينهيا مهمتهما؟ تصريح زيد بن رعد، المفوض السامي لحقوق الإنسان، يوم أمس، بضرورة عدم النظر في العفو عمن يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، مهم جداً، فما حدث في سوريا من جرائم ضد الإنسانية، وفي حق النساء والأطفال، وما شهد هذا البلد من تشريد وتجويع وحصار للمدنيين، لا يمكن العفو عنه، وكان وصف ابن رعد دقيقاً وهو يقول: «عندما ننظر إلى التجويع الإجباري لسكان مضايا وخمس عشرة مدينة وبلدة أخرى، نرى أن ذلك ليس فقط جريمة حرب، ولكن أيضاً جريمة ضد الإنسانية إذا ثبتت في المحكمة»، فمن الذي يملك الجرأة بأن يبرئ من ارتكب تلك الجرائم، ومن الذي لا يمتلك ذرة من ضمير أو أخلاق حتى يقبل بأن يستمر القاتل في الحكم؟ بفعل فاعل أصبحت الشام أرض الرعب والموت والدمار، هناك من أرادها أن تكون كذلك، وهناك من صمت وتواطأ فتم ما أراده العابثون، ولكن حتى متى يستمر هذا القتل والإرهاب، وإلى متى تكون الشام الفيحاء أرضاً للحرب والنار ومكاناً لأسوأ من هم على وجه الأرض، للإرهابيين القتلة والمجرمين الذين لا يتوقفون عن تخريب البلاد، وللسياسيين النفعيين، وللقوى الإقليمية التي لا تتردد في نقل صراعاتها إلى أرض سوريا. أطفال ونساء في حصار النظام السوري، وعشرات الآلاف من المعتقلين في سجون النظام تم حجزهم تعسفياً، ولا نعلم كم مقبرة جماعية سيكتشفها العالم بعد أن تنتهي هذه الحرب، وكم معتقلاً تراكمت فيه أجساد الجوعى حتى تحولت إلى هياكل عظمية بعد أن ماتوا ببطء دون أن يشعر بهم المجتمعون في جنيف... فهناك في جنيف من يضحكون، وآخرون لا يكفون عن التبسم، ليس لكاميرات الإعلام والصحافة، وإنما للعالم بأسره، وكأن ما يحدث في سوريا لا يعنيهم، وكأن ما حدث في سوريا لا ذنب لهم فيه، وكأنهم يمتلكون ترفاً من الوقت كي يجلسوا لأيام وأسابيع يتفاوضون ويتحدثون، وكأن أحداً لا يموت في سوريا!