من يحاسب هذا الشاب الذي وجد نفسه يافعاً بين ليلة وضحاها يضع بطاقة الصراف الآلي و(يقص) معاشه شهرياً ويضعه في مخباه غير آبه بوالده العجوز، ولا اخوانه الذين لا يزالون في حاجة إلى مساندته لهم·
سنوات طويلة والأب المسكين يمني نفسه باليوم الذي يشتد فيه عود ابنه البكر، لعله يحمل عنه شيئاً من التعب الذي يواجهه في تربية أبنائه الستة، تسلم الشاب وظيفة معتبرة في إحدى الجهات الحكومية بعد عامين تقريباً من التعيين تمت ترقيته إلى وظيفة أعلى وعندها ضغطت عليه الأسرة وأبوه تحديداً كي يتزوج ابنة عمه التي كانت لا تزال في الجامعة، تزوجها وبعد ستة شهور أو أقل بدأ يتسرب النكد إلى عش الزوجية، وبطريقة أو أخرى صار الشاب يجد سلواه في الكوفي شوب ومقاهي الإنترنت والتسكع في الأسواق إلى ما بعد منتصف الليل، لم تكن هذه السلوكيات بعيدة عن زوجته الشابة، فقد كانت تصرخ لكل المحيطين بها من أمها وأبيها وعمتها وشقيقات زوجها، كانت تدعو الله في كل يوم أن ينصلح حاله، ولكنها لم تكن تعرف ما نوع الخلل الذي أصاب هذا الحال، إلى أن جاءت الأخبار تترى·
في الصباح الباكر دق الباب وفتح الشيبة فإذا بموظفين من جهة ما يخبرونه بأن سيارته محجوزة ومطلوبة لسداد دين في البنك، بهدوء حاول الرجل أن يفهمهم أن السيارة باسم ابنه، قالوا له نعلم ذلك، وابنك عليه للبنك ما يقرب من 114 ألف درهم، المهم بعد الصدمة التي تلقاها الرجل في صبيحة هذا اليوم، وبعد شد وجذب مع هؤلاء الموظفين فوجئ الرجل بأن ابنه الشاب استخرج أكثر من بطاقة ائتمان من عدد من البنوك، عبثاً حاول الشيبة أن يتأكد من ابنه هل ما قاله هؤلاء الموظفون صحيحاً، فإذا بهم يخرجون له قائمة طويلة من المشتريات التي سحبها ابنه البكر من أرقى المحلات المتخصصة في بيع العطور والمجوهرات والملابس النسائية والاكسسوارات، فهذا عقد ألماس قيمته 15 ألف درهم، وهذا طقم ذهب زاركو قيمته 20 ألف درهم، وهذه فواتير لأنواع من أرقى العطور الباريسية والعود وخشب الصندل وغيرها·
كانت الصدمة أقوى من أن تفك عقدة لسان الشيبة الذي نظر إلى ابنه في ذهول ومن خلفه نظرت الزوجة الشابة، ومن خلفهما تجمع أفراد الأسرة يستخبرون عن المصيبة التي ألمت بهم، فإذا بالحبيب وبكل برود يخبرهم أن الأمر ليس مزحة، بل هو صلب الحقيقة، فكل ما اقترضه من البنوك كان حقيقة، فالقصة ببساطة شديدة أن واحدة من (إياهم) ذوات الشعر الأشقر والعيون الخضراء ألقت بشباكها حوله، فكانت هذه المجوهرات وتلك العطور وهذه الجنة التي عاشت فيها مترفة في حين ترك لزوجته الشابة وأبيه واخوانه الصغار الحصرم يأكلونه والعلقم يمضغونه، وعليه العوض·