في هذا اليوم نبدأ عاماً جديداً ونستحضر مع هذه البداية مقاصد الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة المنورة كما نستحضر أيضاً رسالة الإسلام ومبادئه التي يقوم عليها ورؤيته للحياة ولكرامة الإنسان، ففي الوقت الذي كرم فيه الله تعالى بني آدم نجد بعضاً من هؤلاء يستكثرون على أنفسهم هذا التكريم وتلك المهابة التي أضفاها الخالق سبحانه وتعالى على عباده من البشر·
في هذا اليوم علينا أن نتوقف ملياً أمام تلك المبادئ السامية التي جاءت بها شريعة الإسلام الغراء والتي تستهدف عمارة الأرض ونشر السلام في ربوع الكون وتعزيز أواصر الود والمحبة بين بني البشر الذين يبدأون وينتهون في نسبهم إلى أبٍ واحد وأمٍ واحدة هما آدم وحواء·
إن الإسلام لم يكن في يومٍ من الأيام رسالة حرب لقهر الآخر ولا هو رسالة عنف أو إرهاب كما يزعم البعض اليوم وكما صوره هؤلاء الغارقون في تخلفهم ورجعيتهم عن مواكبة مقاصد الشريعة السمحاء من أمثال رموز الإرهاب ومثلثه المعروف ببن لادن والظواهري والزرقاوي ومن هم على شاكلتهم ممن يعيثون في الأرض فساداً يقتلون ويذبحون ويجعلون من الدماء الذكية شلالات يروون بها عطشهم للإرهاب·
إن الهجرة النبوية لم تكن مجرد رحلة من مكة إلى المدينة بل كانت أكبر من ذلك وأشمل في معانيها التي يراد لنا أن نستوعبها إذ قامت الدعوة على الحكمة والموعظة الحسنة ومقارعة الحجة بالحجة والمزاعم بالحقائق والباطل بالحق والكذب بالصدق، فقد قال المشركون كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوه بأوصافٍ لا تليق ولا تمت إليه بصلة ولم يقفوا عند هذا الحد بل حاولوا في أكثر من مرة أن يقتلوه أو يلحقوا به الأذى ولكن الله كان حفظه، وعلى الرغم من العداء الذي ناصبه المشركون للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لم يبادل هذا العداء إلاّ بالحب والكراهية إلاّ بالمودة والغلظة إلاّ باللين، ويكفي البشرية أن تقف عند هذه العبارة البليغة التي قالها صلى الله عليه وسلم عندما اجتمع كفار مكة ووقفوا أمامه يترقبون ويسألونه: ماذا أنت فاعل بنا؟ ويرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير تكبر ولا تشفٍ ولا تصفية حسابات: اذهبوا فأنتم الطلقاء، فقالوا أخٌ كريم وابن أخٍ كريم·
تلك صورة بسيطة من ملامح كبيرة لمقاصد الرسالة التي أرادها الله سبحانه وتعالى رحمة للعالمين تهديهم من الظلام إلى النور ومن الزيف إلى الحق ومن الضلال إلى الهدى، وما أحوجنا اليوم أن نقف كثيراً عند هذه المعاني التي سطرها التاريخ بحروفٍ من نور عن معلم البشرية الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ ينبغي علينا فهم تلك المقاصد واستيعابها والتواصل مع الآخر ومد جسور الحوار الحضاري كما كان يفعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعساكم من عواده