قصر الوطن
من ليس له ماض، ليس له حاضر ولا مستقبل. تختصر هذه العبارة الشهيرة التي أطلقها المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، رحمه الله، . أسس ومبادئ العمل الثقافي التي تنتهجها دولة الإمارات. وهي الحكمة التي تصبغ توجهاتها المستقبلية وتحدد ملامح عملها في التعاطي مع موضوع الثقافة باعتبارها هوية وطن، وهوية الإنسان الذي استلهم حكمة الأجداد، واستطاع أن يبني دولة هي اليوم مهد الصداقة والمحبة والسلام.
ويشكل قصر الحصن في العاصمة أبوظبي رمزا لهذا الماضي العريق، ونقطة الضوء التي اتسعت ليعم نورها على الوطن كله. وفي هذا القصر كتبت الإمارات خطوتها الأولى نحو المستقبل، وبين جدرانه العالية ارتفعت الآمال لتطاول السحاب. وعاما بعد عام راح إنسان الإمارات يبني الصروح الشامخة كشواهد على حاضرنا البهيّ، لكننا في غمرة هذا الفرح بالمستقبل، كنا ندرك أن ما تركه الأجداد لنا من إرث على الأرض، وما زرعه الآباء في نفوسنا من قيم أصيلة. هي ما يمنحنا هويتنا بين الأمم.
المسيرة الوطنية التي انطلقت بالأمس في افتتاح «مهرجان قصر الحصن 2016». كانت تجسيدا حياً لتكامل وتداخل الماضي مع الحاضر والمستقبل في منهج عمل دولة الإمارات. ولكن الصورة الأسمى التي تجلت في هذا المشهد المهيب هي اختلاط الصغار مع الكبار، والقادة من الناس، والناس مع القادة في لحمة واحدة، وكانت روح زايد وإخوته المؤسسون تظلل هذا المسير بالحب. ووجوههم السمحة كانت تنعكس مشرقةً في وجوه أبنائهم وأحفادهم من قادة زهو الإمارات وناسها المفعمين بروح التحدي والعطاء.
في هذا المهرجان، وفي كل شبر وزاوية منه، هناك حكمة استخلصها الآباء من ملاحم بطولاتهم على هذه الأرض. من البحر الذي رفعوا على زرقته شراع الأمل، وروضوا غرور موجته، وغاصوا في أعماقه ليحصدوا الدانات مهراً وعرساً في سواحل الصبر. من الصحراء التي هزموا هجير قسوتها، وشيدوا فوق تلالها سيرة الترحال، حتى تبسمت لهم النجوم في ليل القوافي، واستأنست قرب خيامهم النار. من الجبال وهي درس للهمم في ارتقاء القمم. ومن المزارع والوديان والأفلاج والسفوح، وعلى كل تربة وطأتها قدم إنسان الإمارات هنا، يكبر درس الحياة.
هي إذن مسيرة الزمن. نمشي بها جميعا، من قصر الحصن، إلى قصر الوطن.