تُرى هل نحن بحاجة إلى معرفة هوية النادي والمشجع في القضية الأخيرة التي أمرت فيها النيابة العامة بحبس مشجع على خلفية اتهامه بسب أحد الأندية عبر مواقع التواصل؟.. لا أعتقد.. ليس لأنني أميل للنادي أو للمشجع، ولكن لأن القضية لم تكن يوماً في من، وإنما «لماذا»، وكيف، وبقرار النيابة العامة، أصبح بإمكاننا أن نطمئن، ليس حرصاً على هذا النادي أو ذاك، ولكن على أنفسنا.. نحن من يشجع ومن يشاهد ومن يتصفح.. نحن الذين أزعجنا نفسياً وآلمنا تغير الحال على مدار سنوات ماضية، تصاعد فيها الخروج عن النص بصورة ملحوظة، كدنا نشك أنها بلا رقيب ولا حسيب، حتى جاءت النيابة العامة لتنتصر للمجتمع أولاً، ولتؤكد أن ما حدث من نشر كلمات مسيئة، إنما يمثل خرقاً لقيم الأخلاق الراقية، وأهمها التسامح واحترام الآخر، وفي الوقت نفسه أكدت النيابة احترامها للنقد الموضوعي، بشرط أن يتم في إطار الآداب العامة. أي مجتمع في الدنيا، ليس بإمكانه أن يفاخر بما يمتلك من ثروات، بقدر ما يمتلك من محددات اجتماعية ورصيد أخلاقي هو الأهم والأبقى، ومن هنا، وطوال الفترة الماضية التي شهدنا فيها تطاولاً من هنا أو من هناك، أو تعصباً ليس من شيمنا ولا من موروثاتنا، ولا يعبر عنا، كان السؤال الدائم: وإلى متى يحدث ذلك، وكيف بالإمكان أن تضع حدوداً للتشجيع يقبلها ويلتزم بها المشجع، والذي قد يغيب عقله من أجل ناديه، واليوم، بالإمكان أن نقول إن قرار النيابة الأخير أرسى لمرحلة جديدة، وستكون له انعكاساته ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما في المدرجات أيضاً. أنا لست حزيناً على هذا المشجع على الإطلاق، فالبديل كان أن يستمر هذا السوء وهذا التردي والانفلات، وقد تمكن كثيرون على شاكلة هذا المشجع من الإفلات من العقوبة لسبب أو لآخر، واليوم آن الأوان لمحاسبة كل من يخرج عن النص، ويسب نادياً أو لاعباً أو مدرباً أو مسؤولاً.. انتقد كما تشاء ولكن في حدود ما تقبله لنفسك، أما أن تتجاوز وأن تظن أن «صك التشجيع» يمنحك الحق في أن تشتم وأن تسب فهذا ما لا يمكن أن نرضاه لوطن نحبه ونريده نموذجاً في كل شيء. سيقولون: آلمه سب ناديه، وأقول إن بلادي عندي أهم وأبقى من كل الأندية.. أقول إنني أكثر حرصاً منكم على كل مشجعي أنديتنا.. هم أهلي وإخواني، ولا أقبل أن يكون بينهم واحد «قليل الأدب». كلمة أخيرة: لا تحوّلوا «التواصل الاجتماعي».. إلى «التباعد الإنساني»