“اليمن السعيد” الذي بات يئن تحت وطأة التعب والسغب، جراء حروب وكروب ألمت به وأطاحت بمآثر بلقيس، وما أضاءته سبأ في الزمان القديم، فالهدهد اليوم ينبئنا بأخبار تدمي عن هذا البلد الذي شفه الشظف وأحرقه اللظى.
أخبار اليمن تقول للسامعين إن اليمن اختطفته أيدي الإرهاب وصار رهينة الجوع والفزع، فما انفك من مظاهرات الحرية حتى دخل في مظاهر العنف وتخريب الوجدان الإنساني وتدمير كل ما على الأرض من بشر وشجر.
والأمر السامي من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة بتقديم مساعدات غذائية بقيمة 500 مليون درهم للشعب اليمني هو تلبية لمشاعر القيادة بما يعاني اليمن من ضيم وما حل به من غيم وما أصابه من مصاب أليم، والإمارات إذ تهب لنجدة الأشقاء مواساتهم وتعضيدهم ورفع الأسى عن كواهلهم، إنها تقوم بواجب الأخوة والدين والإنسانية، واجب ترعرعت على مهده وعهده مبادئ القيادة ونشأت إثرها قيم النهوض بالواجبات الإنسانية والمسؤوليات التي يحتمها الضمير ويفرضها الوعي بأهمية المساندة لأي إنسان كان في أي مكان، وهو الإيمان الراسخ الذي وضعته القيادة نصب العين، وعلاقة الجبين ولا حياد دونه.
واليمن إذ يقع تحت سطوة الإرهاب وقد شلت مرافقه وتعطلت مصالحه وباتت الشوارع إما مواقف للمظاهرات أو ساحات لحروب شوفينية مقيتة الهدف منها إبقاء اليمن وكراً للموت والفقر والحزن، والذهاب به بعيداً نحو جبال العتمة، ومن يقرأ الأحداث في اليمن يستنتج شيئاً واحداً وهو أن الجماعات الإرهابية لا طريق لها غير التخريب، ولا هدف لها غير تسريب القيم الإنسانية، ولا فلسفة لديها غير تهريب الحياة إلى غابات التوحش.
فإذا كانت هذه الجماعات قد بررت تصرفاتها بمعارضتها حكم صالح ورفضها سياساته، فاليوم وبعد رحيل الرجل ووصول اليمن إلى أول مفاصل الديمقراطية، فما هو المسوغ الذي تتكئ عليه هذه الجماعات حين تقتل وتفتك وتنتهك الحرمات.
أليست هذه لعبة الشياطين حين لا يكون مبرراً للقتل وغير القتل؟ ونقول طالما بقيت هذه البذرة الجهنمية تعشش في بعض الرؤوس، فإن عافية اليمن بحاجة إلى ساحر كي يعيدها إلى سعادتها السابقة. فاليوم، وبعد أن خطفت المبادئ الإسلامية السامية، على أيدي قراصنة مهدوا جيداً في إخراج أفلام ملونة تظهر أنهم يتباكون على الإسلام، وينعون حظ الأمة، كون الإسلام لا يطبق على أرض الإسلام. هذه مسرحيات هزلية يجيد التمثيل فيها ممثلون تدربوا على لعبة الجسد والعقل أيضاً، ما يجعلهم يقتلون بدم بارد ويدمرون بدون إحساس بذنب لأنهم أوهموا أنفسهم أن ما يفعلونه هو الصواب، بعد ما أقنعوا أنفسهم أنهم امتلكوا زمام الحقيقة، ولا يريدون غير الوصول إلى الحقيقة.
هذه الأوهام أوصلت اليمن إلى هذه الحافة، وهذه الخدع البصرية التي قادت اليمن إلى هاوية الحروب المسعورة. وإذا لم يتدخل العالم لمساعدة اليمن ومساندته في حربه على العتمة فإن المصير لا يبشر بخير.
marafea@emi.ae