زرت العاصمة النمساوية وأرياف تلك البلاد مرات عدة، وكزائر استخدم وسائل النقل العام لم أكن أشعر بمظاهر احتقان يجنح للعنف والسلوكيات الخاطئة تدور بين سائقي المركبات الخاصة ومستخدمي الطريق في تلك المدينة التي غالباً ما كانت تتصدر قائمة المدن العالمية الكبرى فيما يتعلق بمؤشرات جودة الحياة ورفاهية السكان.
وقد اضطرت سلطات المدينة التي ارتبطت في أذهاننا بليالي الأنس، لإطلاق حملة للسيطرة على ما يطلق عليه الاختصاصيون وعلماء النفس “غضب الطريق” من أجل تصحيح سلوكيات السائقين وراكبي الدراجات الهوائية والمشاة وغيرهم من مستخدمي الطريق.
الحملة التي انطلقت تحت شعار “الاعتذار دائماً في محله” دعت السكان لمواجهة المواقف المحتقنة والمتوترة ونزاعات الطرق بالابتسامة وتكريس “ثقافة الاعتذار” التي قالت إنها ممارسة وسلوك حضاري. وحفلت الحملة بعدد من الدعوات والنصائح الاعتذارية مثل “اعتذروا... حتى لو لم يكن أحد يسمعكم” و”ارفعوا أيديكم بتحية”. وحملت ملصقات الحملة رسوما وصورا تظهر مشاة وسائقي السيارات وراكبي الدراجات الهوائية، في أوضاع تنذر بنشوب مواجهة ومشادة، وهم يلوحون بأيديهم، وحملت تعليقات من قبيل “عذراً” و”العتب ممنوع”.
هذا في مدينة كالعاصمة النمساوية، حيث يعد امتلاك السيارة ترفا بسبب كفاءة شبكة المواصلات العامة والازدحام والاكتظاظ المروري فيها لا يقارن بمدن كبرى أخرى مثل مومباي وبانكوك وكوالالمبور ونيروبي والقاهرة. والتي تتحدد فيها المواعيد بحسب حركة المرور، ووفق ما قبل أو ما بعد ساعات الذروة، حيث تتدفق آلاف المركبات على الطرق في وقت واحد.
شكاوى سكان فيينا التي تزايدت وتيرتها مؤخرا تركزت حول سائقي السيارات الذين يتجاهلون الدراجات الهوائية، وأيضا من سائقي الدراجات الذين لا يتوقفون عند إشارات المرور ويحترمون اللوحات الإرشادية. وتنقل الصحف المحلية أخبار شجارات عنيفة بين مستخدمي الطرق العامة، يسقط فيها جرحى بسبب استخدام بعض المتورطين للساح الأبيض ومضارب الجولف وقضبان الزلاجات.
في العديد من مدن الدولة اصبح الازدحام والتكدس والاكتظاظ المروري مشهدا يوميا، وبدأت بعض مظاهر “غضب الطريق” تتسلل إلينا، وإن لم تصل في حدتها لما وصلت إليه في مدن أوروبا وأميركا. إلا أن الحالة الصارخة لها تمثلت في واقعة اعتداء شابين شقيقين مواطنين على رجل يكبرهما سنا مما أدى لوفاته. في حادثة تعبر كذلك عن حجم تغيرات سلوكية طرأت على مجتمع الإمارات الذي يوقر ويجل الكبير، وكنت تجد صغير السن فيه لا يتحدث أمام الكبار في مجالسهم، أدبا ومهابة.
نعود لموضوع غضب الطريق الذي يتطلب من إدارات المرور في مختلف إمارات الدولة مقاربة تتناسب مع تطور الحالة التي بدأت تعلن عن نفسها في صور ومشاهد مختلفة. خاصة في مجتمع يعج بتركيبة من السائقين من ثقافات وبيئات متنوعة، منهم من يرى ممارسة ما ومسلكا ما عاديين عندهم، بينما يخالف عليه القانون وغير مقبولة عندنا.
وهناك من يعتبر “الاعتذار” والرجوع عن الخطأ نقيصة لا فضيلة، لذلك فدور هذه الإدارات ليس ضمان انسيابية المرور فحسب، بل فرض احترام مستخدمي الطريق قبل أن يعصف بهم “غضب الطريق”.
ali.alamodi@admedia.ae