عادة اللحاق بالركب في اللحظات الأخيرة، والسعي لتدارك الأمور واستكمال النواقص، واللعب في الوقت الضائع، ليست وليدة المصادفة ولا يوم أمس ولا الذي قبله، ولن تنتهي هذه العادة السيئة بعد مائة عام، طالما هي مستمرة ونورثها للأبناء، وما نراه اليوم هو بالتأكيد عادة تشربها الأبناء من الآباء، وطقوس التحضير للعيد وشراء مستلزماته كان من الممكن تأمينها قبل أسبوع أو ثلاثة أيام وليس عشية العيد لتتحول الأسواق والمناطق التجارية إلى محشر، يستدعي استنفار رجال الشرطة والمرور.
فظاهرة اللحاق بالركب في اللحظات الأخيرة ليست مقتصرة على التحضير للعيد، كما نشهده من ازدحام وتكدس على المحال والأسواق، وتهافت الناس على الشراء هذه الأيام، فهي أمور قد تكون طبيعية في مجتمعاتنا، التي تؤجل الأمور للحظات الأخيرة، ويبدو أن هذه أضحت ثقافة مجتمع، فنحن نعيش هذه الحال بشكل مستمر، قبل السفر مثلاً، ترى الواحد منا خطط لرحلة صيفية منذ شهر أو أكثر، ولكن قبل السفر بيوم تراه يلهث هنا وهناك، ويتذكر أن جوازات العيال منتهية، والخدامة ما “سوالها” تأشيرة، والحرمة للحين ما اتصورت لـ”الشينجن” بدون برقع وخلفية بيضاء وبعد ما يسابق الرجل الزمن وينهي كل الإجراءات، تكتشف الزوجة، وهي في طريقها للمطار، الأغراض الناقصة، اللي تكملها من شيشة البترول والسوق الحرة، والمشهد نفسه يتكرر في اليوم الدراسي الأول الذي يكتشف الجميع فجأة أن يوم غدٍ هو أول أيام العام الدراسي الجديد، وما أدراك ما العام الدراسي الجديد، وما تحضيراته ومستلزماته التي يجب أن تكون جميعاً جديدة، حتى القلم الرصاص إذا كان ناقصاً لازم يكون من القرطاس، ومنقود البنت في الصف الأول تروح بزلاع مستعمل إذا نست الأم تشتري لها جديد، ولا الولد يروح بفانيلة قديمة إذا البشكارة ما نشفت طقم الفنايل الجديد للعام الدراسي الجديد، حتى في الكرة، ما نشوف اللعب الصح، والهجمات المرتدة السريعة والمنظمة، وكشف ثغرات الخصم واستغلالها إلا في الوقت بدل الضائع، فالمباراة في التسعين دقيقة تكون شيئاً لا يمت للكرة بصلة، فيما تظهر الفنيات والمهارات في دقائق الوقت المحتسب بدل الضائع، التي تتحول فيها المباراة لشكل مختلف تماماً تكون أكثر إمتاعاً وإثارة من الفريقين، وكأننا في مباراة غير تلك التي ضيعنا وقتنا في متابعتها.
هذه الظاهرة المجتمعية تستدعي من أطراف أخرى التعامل معها، والعمل على ضبط النظام من خلالها، ومنع الاختناقات التي قد تسفر عن ظهور غالبية الناس للأسواق والمراكز المحال التجارية في توقيت واحد، وأكثر الجهات المعنية هي إدارات الشرطة والمرور المناط بها مسؤولية حفظ الأمن وضمان انسيابية الحركة المرورية في شوارعنا ومنع التجاوزات والمخالفات، والعمل على توفير تسوق آمن للجميع، كما على جهات الرقابة المعنية مراقبة الأسواق، خصوصاً المطاعم ومراكز بيع السلع والمواد الغذائية، ومراقبة الأسعار، والوقوف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه استغلال حاجة الناس.
m.eisa@alittihad.ae