الحرائق التي نسمع عنها ونشاهدها تأكل الأخضر واليابس، في العمارات والمساكن والأسواق والمصانع والمناطق الصناعية، هي حلقات من مسلسل الإهمال واللامبالاة من المستخدمين والجمهور بشكل رئيسي، ولو كان هناك قليل من الاهتمام والتقدير والحذر والالتزام بمعايير السلامة والأمن، لما وقعت العديد من الحوادث التي كبدتنا خسائر في الأرواح والممتلكات، وكان يمكن تفاديها، نعم هناك احتمالات ونسب لوقوع الأخطاء، ولكن لا تكون بهذا القدر وهذا الحجم، كأن تترك أُسطوانة غاز في العراء، وتحت الشمس الحارقة، لتأكل الشمس أُنبوب الأُسطوانة، وننتظر إلى أن تحدث الكارثة ومن ثم نقول قضاء وقدر، نعم نؤمن جميعاً بالقضاء والقدر، لكن القدر لم يجبرنا على الإهمال، واللامبالاة، وعدم اتخاذ إجراءات السلامة والوقاية.
ففي الأيام الأخيرة من رمضان أتى حريق على عمارة سكنية بأبوظبي تقطنها عشرات الأسر، كانت آمنة مطمئنة في مهجعها، إلى أن تناثرت وفرّت على أصوات الصراخ وسيارات الإطفاء والشرطة، بعد اندلاع حريق في الدور الأرضي من العمارة من محل مفروشات، وأسفر الحريق عن تسع إصابات واحتراق عشر مركبات، وحالت سرعة تدخل رجال الدفاع المدني وسرعة استجابتهم من حدوث كارثة، وبحسب ما علمنا أن سبب الحريق انفجار أُنبوب غاز، فيما لم تؤكد الجهات الرسمية ذلك، ولا أدري من كان يستخدمه؟! وكل مستأجري الدور الأرضي يفترض ألا تكون لهم علاقة بأُسطوانات الغاز!
وفي اليوم نفسه أتى حريق على ستة عشر محلاً في السوق المركزي بالعين، ونظراً لتوقيت اندلاعه في الرابعة فجراً، لم تكن هناك إصابات في الأرواح، بعد أن أتى الحريق على المحال الستة عشر بالكامل، وبعده بأيام اندلع حريق في ستة عشر كرفاناً بمبنى قيد الإنشاء في دبي، بسبب ماس كهربائي، فكون الكرفانات مؤقتة لم يكلف من أقامها نفسه بإتقان التمديدات الكهربائية إلى أن حدث ما حدث، وفي السياق نفسه وبعده بأيام قلائل شب حريق بصناعية الشارقة في مصنع للأخشاب والأثاث، دون وقوع إصابات بشرية، فيما لم تقدر الخسائر المادية.
إن كل تلك الحرائق وغيرها، غالباً ما يكون سببها الإهمال، أو التقصير بعدم الالتزام بشروط الأمن والسلامة التي تشترطها إدارة الدفاع المدني، فأغلب المستفيدين وأصحاب تلك المواقع يلجأون لإضافة تمديدات كهربائية بصورة عشوائية، أو لا يقدِرون خطورة استخدامهم لمواد معينة، ولا يكترثون بالالتزام باشتراطات الأمن والسلامة التي تفرضها إدارة الدفاع المدني، وهنا يكمن دور الجهات المسؤولة في متابعة ومراقبة المواقع والمباني والأسواق بشكل مستمر، ومكثف، وعدم الاكتفاء بجولة تفتيشية عند إصدار الرخصة وتجديدها.
فحماية وسلامة المجتمع تحتم على الجهات المسؤولة مضاعفة جهودها وتكثيف حملاتها التفتيشية واستمرارها، خاصة في ظل وجود من لا يقدر خطورة تجاوزاته.

محمد عيسى | m.eisa@alittihad.ae