لأن للأكلات السريعة الطعم الشهي ذاته الذي يتذوقه ملايين البشر على مستوى القارات الخمس لها ما لها من أمراض وأعراض، أهمها وأشرسها البدانة وتكدس الدهون المعجونة بالكربون في الجسد. لأن الناس أصبحوا يداومون ويجازفون ويغامرون بصحتهم من أجل طعم البهار المحترق في جلد الفراخ المقلية، صار من الضروري توعيتهم وتحفيزهم على الإقلال بأقل تقدير من تناول هذه الأطعمة القاتلة. وهذا ما فعله مسؤولون ألمان، الذين ابتكروا متاهة على شكل مقانق عملاقة للتوعية بالمخاطر الصحية التي تجلبها هذه الوجبات. ويكتشف الزائرون أثناء المرور في هذه المتاهة التي تبلغ 2.5 كم المكونات المستخدمة في إعداد الوجبات السريعة وكيفية تحضيرها. الملايين من الألمان يعانون أضرار الوجبات السريعة، كما أن أمثالهم من بني البشر في العالم يواجهون المخاطر نفسها، الأمر الذي يتطلب من الجمعيات والهيئات الأهلية أن تقوم بالدور نفسه الذي قام به مسؤولون ألمان لكبح جماح الناس وتنبيههم وتحذيرهم من شر هذا الوباء الغذائي الذي صار سبباً رئيساً لكثير من الأمراض القاتلة التي يذهب ضحيتها الملايين من البشر لقلة الوعي والكسل والتواكل والتهالك من أجل حمل العلب والأكياس البلاستيكية التي تحمل في جعبتها كل ما يضر وكل ما يبيد الصحة، ويهلك الإنسان. إذا كنا نعيش الحملات اليومية للوعي البيئي، فإن الوعي الصحي يجب أن يكون في مقدمة هذه الرسائل الإنسانية، لأجل إنقاذ الذين تغافلوا وتكاسلوا وذهبوا بأقدامهم سريعاً لشراء الوجبات السريعة والتي لم تزل محل أسئلة في كيفية إعدادها ومكوناتها والتي لا يعلمها إلا الله، والذين يقومون ببيعها. فالأورام الخبيثة، والأمراض المستعصية التي أصبحت وباءً متفشياً في جموع الناس لم تأت من فراغ، فهذه الأجسام التي اعتادت على الطعام الطبيعي والتي تصنعه أيادي الناس بأنفسهم وربات البيوت، لم تعد تتحمل هذا الهجوم المباغت للدهون المحترقة والتي يعاد حرقها مرات ومرات حتى تصبح غازاً لثاني أكسيد الكربون القاتل.
هذه الأجسام أصبحت النطيحة التي يغتالها يومياً كم هائل من هذه الدهون والشحوم والجلود المتعجرفة والعظام المطحونة. هذه الأجسام صارت عرضة لأكلات غريبة وعجيبة، مضافاً إليها مشروبات غازية تهري العظام وتنخر الجسد حتى أصبح الأطفال الصغار يعانون الكسل والخمول والعجز الكامل عن الحركة، فالطفل الصغير الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات صار أشبه بالكهل العاجز لا يتجاوز نشاطه اليومي الجلوس أمام التلفاز أو الاستلقاء على الأريكة، مطالباً الآخرين - طبعاً الخدم - بتلبية حاجاته من الغذاء والشراب. عادات سيئة تقدم إلى حياة أسوأ وأردأ وتحول أيام الإنسان إلى تقاعس مستمر لمزيد من الأمراض البدنية والنفسية، إضافة إلى علاقات متشنجة وشائكة مع الآخرين. يقولون إن المعدة بيت الداء، ونحن نحشو هذا الوعاء بكل ما يريده، ويبوء به إلى شر المآل.


marafea@emi.ae