ها هي الموجةُ منذ الأبد، تؤول إلى زبد. يرتخي جناح غرورها وتعود تركعُ تنحني، وينكسرُ معناها من مدٍّ لِمَدّ. ها هي الورقة بيضاء كأنها عدم. لا تولد الورقة إلا حين يخدشها مرُّ الكلام، وحين يُسكبُ فوقها جمرٌ ودم. ولا يهم بعد ذلك لو حرّف نُطقها المدّاحُ، أو داسها الجنود في الحرب بمليون قدم. لأن المعاني لا تموتُ بطعن الرماح، والكلمات تظل تنبضُ، وإن رموها بسهم. ها هو التيارُ الذي ركبته يوماً، يعودُ ضدّك. والعاصفة التي ظننتها شراعك، عادت تردّك. والطوفان من غير أن تدري، جاء يهدم ما كنت تبنيه، وما كنت تراه مجدك. ها هو بريدك خاوٍ، ولا أحد يطرق الباب. ومن الصدى لا يعود سوى صوت الغياب. وأنتَ بعد هذا تُشبه من؟. أيها الضامر في القصيدة، أيها النائي في مخاض الكتاب. افتح يدك قليلاً عن جمرة الحقيقة، نريد أن نعرف لماذا كي يُدرك المرء معناهُ، عليه أن يخوض طويلاً في العذاب. ولماذا كلما وصلنا نهاية الطريق، تفتَح لنا من جديد جسر الذهاب. هل الحقيقة ما نحدسُ أننا نراهُ حقاً؟. وكيف وكل ما نراهُ سراب. وهل الحقيقة تسكنُ مزهوةً في القصور اللامعة، أم تنام غريبةً في طلل الخراب. ها هي شجرةُ الحياة تثمر كل يومٍ بسؤال. هذا يتسلق مجدها وينتمي للشمس. وآخر يكتفي بالقاع منتمياً للظلال. ها هو الطريقُ حشوٌ بجهاتٍ ألف. قم واذهب مستقيماً لحتفك، أيها الجالس في الدوران تضرب كفاً بكف. ها هي الفراشة حطّت، وحين هممتُ أقطفُ نظرةً، طارت. ثم مالت بين غصنين وتوارت واستدارت. وأنا ألاحق لونها الغامض كيف يبيضُّ قرب زهرة المعنى، وكيف جناحها يُفتح بين شوكٍ، ويُغلقُ مثل عين. ولأنها صفراء من بقايا الشمس، طاردتها في البساتين أركضُ خلفها حافيا حتى تمزّقت قمصاني. ولأنها خضراء من سلالة برعمٍ حيّ، رسمتها على دفاتر الطفولة رمزاً لأغنية لا نوح فيها. ولأنها تنأى بمفردها وحيدة بين الحقول، قرأت في ترحالها معنى الذهاب بلا عودةٍ حتى لو انفتح الشلالُ تحت رجليّ في أول الطريق. ولأن الحب فردوس وحرير وخرير، نثرتُ الفراشات على سرير، وأغلقتُ على حبيبتي باب المصير.ها هو الحب مفتاح المفاتيح. أحمله قلادة لتفكّ أسرك، وتمضي محلقاً وجناحك الريح.