منذ القديم وحين يراد إشغال الناس عن قضية ما تصدّر لهم معجزة أو انتشار مرض أو مجرم أسطوري أو رعب قادم، فكثيراً ما سمعنا عن تجلي السيدة العذراء في السماء، وقد ظهرت هذه الحادثة في مصر بعد هزيمة 67 وتظهر مرة في المكسيك التي يدق عظمها الفقر أو دول أميركا اللاتينية المتدينة والتي تعاني من مشكلات عسكرتارية، ومرة صحت بغداد ولم تنم على قضية المجرم”أبو طبر” الذي يفتك بالناس بفأسه، ولكم أن تعودوا للمشكلات السياسية وقتذاك لتعرفوا كيف يتحول الناس عن قضيتهم الأساسية لقضية بديلة مختلقة من أجل إلهائهم عن حالهم ومعيشتهم، وفي بداية تكون الدولة الأموية وما صاحب هذا التكوين من فتنة عمت المسلمين وخلافات وتناحر، تصدّر للناس ثلاثة شعراء جرير والفرزدق والأخطل ليعيّشوا المجتمع الإسلامي”العربي القح آنذاك” في شعر النقائض وما قال هذا في قبيلة ذاك، وكيف مدح هذا قومه، والآخر بزّه في المديح والهجاء، فوجدت صدى في الصدور العربية الراقدة فيها حمية الجاهلية، بدليل أن هذه الظاهرة الشعرية اختفت ولم تظهر ثانية في التاريخ العربي الإسلامي.
وفي أوقات مختلفة وعند شعوب أخرى تظهر حالات من الفزع بانتشار مرض قاتل أو بقرب كارثة كونية أو حتى ظهور الأعور الدجّال، فيلبد الناس ويتعطلون عن العمل ويجلسون للدعاء لكشف الغمة، وتحدث انتكاسة ورجعة تدين متطرفة، وفي كل الحالات هناك من يتربص للفائدة، ومن يختل ليقتنص المنفعة أو يتسلى بالحالات ليعرف كيف يدبر الأمور بعدها.
آخر هذه التقليعات التي تتكرر وتتغير باختلاف الزمن والمجتمعات ما ظهر في السودان ثم وصل ليبيا وأخيراً حلّ في الصومال، ظاهرة الهواتف القاتلة التي يمكن أن تصعق الإنسان بذبذباتها أو بموجاتها العالية، قال يعني الصومال ناقص قتل، والقتل فيه مشاع، ولم يبق فيها إلا هذا الجهاز الفتاك ليكمل على الناس، الغريب أن مثل هذه الشائعات أو “الألعاب البهلوانية” لا تظهر في مجتمعات واعية، يعني لو الألمان سمعوا بمثل هذا الجهاز لتتبعوه وأحضروه وفككوه ليعرفوا كيف يعمل ويستثمروه لصناعة عسكرية مستقبلية، لو ظهر في فنلندا لأضافوا تقنيته في دعم منتوجهم الاتصالي، ولو سرت هذه الشائعة في اليابان، وصدقها قليل من الشعب، فسيجبرون الوزارات كاملة على الاستقالة الجماعية، لأنهم شركاء في عدم توصيل الوعي للشعب الياباني، وثانياً لأن لعب الأولاد تخلص منه اليابانيون منذ زمان.
الآن تعال كيف يمكن أن يتخلص الشعب السوداني من شائعة الهاتف القاتل، خاصة إذا ما توغلت في الأدغال، وكيف سيتخلص الليبيون منها، خاصة إذا ما حاذت الصحراء، أما الصوماليون، فستبقى لأنها جهاز جديد للقتل المستمر منذ أعوام طويلة وستطول!
amood8@yahoo.com