عندما يذهب العقل إلى أبعد من الجنون
عندما يذهب العقل إلى أبعد من الجنون، عندما يصبح القتل شيئاً من المجون، وعندما يقول المتغطرس، أكون أو لا أكون، تصير الحياة مثل كائن خرافي، بلا معنى ولا مغزى، تصير الحياة أشبه، بمستنقع تؤمه الحثالة، والزبالة، والنخالة، تصير الحياة مجمع لكائنات تتلاشى في القتل، وتذوب في مصاهر التعذيب النفسي، والانحلال الأخلاقي، وينصرف كل من يريد، البقاء على حساب الآخر إلى فكرة الإلغاء الجهنمية، ولا يبقى على الأرض ما يبشر بالأمل.
مذبحة الدقهلية في مصر تسفر عن تضخم العدمية، وتفسر الإفلاس الثقافي، وتخثر الدماء في العقل المأزوم، والمسقوم، والمهموم والمكلوم، والمجزوم، بسكاكين الكراهية، ما أفقد كل من قام بذاك الفعل المشين الإحساس بقيمة الإنسان والإيمان بأن الوطن ليس حكراً على فئة ولا هو قفص لا يقترب منه إلا المحرضون على الموت، الموسوسون بشيطان، العبثية.. ما حصل في مديرية أمن الدقهلية، لا يعني إلا شيئاً واحداً، ألا وهو أن الفئة الواقعة في مأزق الفئوية لا تريد وطناً سالماً مسالماً مسلماً، يجمع جل الأديان والأعراق في وعائه النظيف، وإنما تريد معبداً كهنوتياً لا ينضوي تحت لوائه إلا الصفوة ونخبة من الذين تطوقوا بحزام نأسف اسمه «الجماعة»، وما عداهم فلا وجود لهم بل يجب ألا يوجدوا وألا يولدوا وألا يتوالدوا لأنهم خارج نطاق الفكرة المعقدة.
عندما يذهب العقل إلى أبعد من الجنون لا يرى أصحابه إلا أنفسهم لا يرون الآخرين، لا يرون الله، ولا تعاليمه السماوية السامية لا يرون في الوطن سوى غابة متوحشة، لا حياة فيها إلا لماكر محتال، يقتنص الفرحة لأجل الانقضاض إلى المنجز الحضاري وتحويله إلى ملكية شخصية لا تخص إلا الجماعة، التي أعطت نفسها حق الوصاية والدعاية والغواية والوشاية، وامتلكت زمام الأمور ومنحت صكوك الغفران لمن تريد ومنعتها عن من لا تريد.. وهكذا تصبح الديمقراطية المدعاة، والتي كانت تغني عليها، ولأجلها جماعة الإخوان مجرد فقاعة لحجر كبير، رمته الجماعة في بحر الوطن لأجل أن تفزع الآخرين، ولأجل أن تستخدم هذا المصطلح سلماً تتسلق من خلاله إلى سدة الحكم، ولتحكم القبضة على البلاد والعباد، ثم تنتهي الديمقراطية إلى ديكتاتورية فئوية مكفهرة، جبارة لا يفك قيدها إلا الحديد.
عندما يذهب العقل إلى أبعد من الجنون، مستعد نيرون الإخوان أن يحرق روما وباريس والقاهرة، بل وكل العالم لأجل أن يثبت فكرته الجهنمية ولأجل أن يصنع واقعه الذي ارتضاه واقتنع به مهما كان هذا الواقع ضلالياً انحلالياً، مفسداً في الأرض عاصياً لتعاليم السماء.. المهم في أمر الجماعة أنها آمنت بالعبث فاتخذته وسيلة للبعث.. والعياذ بالله.
Uae88999@gmail.com