سلم الرغبات!
تبدو فكرة صعود السلم مناسبة تماما لشرح الطريقة التي نتعامل بها مع احتياجاتنا في الحياة، ولنتخيل معا الطريقة التي نصعد بها أي سلم خشبي على سبيل المثال، والتي يمكن تشبيهها هنا بالطريقة التي نفعلها لكي نحيا؛ ولنتفق مبدئيا أن صعود السلم والوصول إلى اعلى درجاته ليس هدفا في حد ذاته، فالهدف هو الحصول على شيء ما أو رؤية شيء ما أو تلمسه بعد وصولنا إلى أعلى نقطة في السلم.. وهكذا؛ كل درجة من هذا السلم ضرورية جدا للوصول إلى الدرجة التي تليها، إذا فالدرجات وسيلة لتحقيق هدف، وبالتالي فالمنطقي والبديهي أن لا أهمية إطلاقا أن تكون المادة المصنعة لدرجات السلم من الذهب أو الألماس أو من الحجر!
تخيلوا الحال، لو لم يعد الهدف من صعود السلم، وما يمكن أن نجنيه لو تمكنا من صعوده في زمن قياسي أو مهارة، أمرا ذا أهمية، بل أصبح الأهم أن تكون تلك الدرجات التي نضع عليها اقدامنا في السلم مصنوعة من معدن ثمين وجميل يشير إليه الجميع بالبنان، ويشيدون بلمعانه، بينما هدف الصعود أو حتى لياقتك أثناء صعودك الدرجات أمر لا يعنيهم! أتوقع أنه ومن الطبيعي أن سقوطك لن يحرك فيهم ساكنا، كونهم توقفوا للانبهار بألوان وشكل الدرج، لا بصعودك ولا بنجاحك في تحقيق هدف الصعود؛ بهذه المقاربة، أجد الحياة والطريقة التي نتعامل بها مع احتياجاتنا وسلم رغباتنا وكذلك مواقف الآخرين ووجهات نظرهم من نهجنا في الحياة.
في سلم الاحتياجات الإنسانية، تأتي الحاجة للتقدير (تحقيق المكانة الاجتماعية والشعور باحترام الآخرين والإحساس بالثقة والقوة) في مرتبة متأخرة، إذ يسبقها الحاجات الفسيولوجية أو الفطرية، ثم الحاجة إلى الأمن ثم الحاجة الاجتماعية، وبطبيعة الحال الحصول على التقدير من الآخرين هو نتيجة طبيعية لتفاعلات كثيرة على الفرد أن يمر بها ليتمكن من اكتساب احترام وثقة الآخرين به، وهو ما يحدث في الأساس من الداخل وليس عبر أدوات مادية -من المفترض أن لها دورا مساعدا وليس أساسيا-؛ كما أنه من المهم هنا توضيح أن سلوك الفرد عندما يُصر على تحقيق حاجة إنسانية في مقابل إهمال متعمد ولا مبال لحاجة أخرى في مرتبة أسبق، دليل أكيد على خلل سيتسبب بمشاكل لها تداعياتها على الشخص ومن حوله؛ ومنها بالتأكيد أنه سيجد نفسه غير قادر على تحقيق الحاجة التي كانت في سلم الأولويات في مرتبة أولى.
مشكلتنا في التعامل مع العالم المادي الذي يحيط بنا، تعود إلى عدم التفاتنا بجدية لسلم احتياجاتنا الحقيقية ورغباتنا في الحياة؛ وإن حدث أن عرف البعض هدفه الأسمى من حياته -وهذا نادرا-، فإن ترتيب الأولويات يتعرض لتشويه خارجي يفرضه الإعلام والدعاية والآخرون على الفرد، ومن ثم تتحول عملية صعودنا درجات السلم إلى فعل استعراضي لمواد وأدوات، لا عملية حقيقية للوصول إلى هدف. من جديد مازلت رغم ما وردني من تعليقات بعض القراء حول أن إصرارهم في الحصول على مقتنيات معينة لا علاقة له بالثقة أو بالآخرين، ما زلت رغم تلك الحجج أجدهم يحاولون ارتقاء السلم ليرى الآخرون أنهم يرتقون سلما جميلا، لا لأن هناك هدفا في أعلى السلم يرغبون في الحصول عليه.
السعد المنهالي | als.almenhaly@admedia.ae