«المرشد» وغير الراشدين!
في ظل غياب ما يسمى بدولة القانون، والمساءلة البرلمانية، والمؤسسات المراقبة والناشطة في المجتمع المدني، واختلاط الكثير من المسائل على الناس، بين ما هو سلطة دولة وقانون، وسلطة ثيوقراطية، تستمد حقها من نصوص لا تخصها في الدين، لتحكم باسم الدين، وتأويل شروحاته، عندها يصبح الأمر سهلاً أن يسحب داعية أولاداً غير راشدين إلى طريق لا يفهمونه، ولا هو قادر أن يشرحه جيداً، «طريق الجهاد» وهو طريق ذو اتجاه واحد، وإجباري، هو الموت، الموت له أو لأبرياء آخرين، يكادون أن يكونوا مغرراً بهم من قبل أطراف أخرى تريد الدخول في فوضى الصراعات السياسية في الكثير من البلدان العربية، سوريا والعراق ولبنان مثلاً، وهو تكرار لتجربة غير بعيدة، هي تجربة أفغانستان، وما أفرزته من «أفغان عرب»، وجماعات عادت من حروب الجبال، تريد أن تقوض المدن وحياتها، والعودة بالناس لما يسمى بمثاليات المجتمع اليثربي أو تكفيرهم أو اعتزالهم وهو أضعف الإيمان، فيما يعرف بتكفير المجتمع، والبراءة منه، في ظل غياب الدولة كمؤسسة ذات نظام، ودستور، وحقوق مدنية، بإمكان أي «متفيقه» في الدين أو كما يحب أن يطلق عليه الناس «داعية» ومن خلال تغريدة أو نص يكتبه في موقعه الإلكتروني أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ويجد الأولاد «الضائعين»؛ بحكم العمر، والتجربة الغضة له، وأحوال المراهقة غير المراقبة أو بسبب الفقر المدقع والمتعمد سياسياً، نتيجة غياب الفكر الاقتصادي والفساد في مجتمعاتنا العربية أو بسبب الجهل أو الضياع الفكري نتيجة سوء خطط التعليم والتربية، ونتيجة عدم الوعى بالانقلاب الاجتماعي في مجتمعاتنا بعد «الثورة النفطية»، أو تلك «الردة» التي تخلقها التشوهات في الشخصية، ومحاولة التكفير عن إثم دنيوي، من أجل أجر وثواب غيبي، كل تلك الأمور خلقت أولاداً «ضائعين أو غائبين مغيبين» وهم كثر، ويكادون أن يشكلوا جيلاً أو جيلين، أمكن التلاعب بعقولهم، إما يميناً متطرفاً، كما هو الآن، وإما يساراً متطرفاً، كما كان سابقاً، وسهل السيطرة عليهم وعلى أفعالهم، وتسخيرهم لنوايا الشر، ويقصد به الخير، ولأن ليس هناك من قدوة حاضرة في تاريخ العرب والمسلمين، فلا بد من سبر التاريخ، واستحضار أبطال من الزمن القديم، كثير منهم أضفوا عليه القدسية، والنموذج الرباني، والطهرانية، وكتب السير والتاريخ تقول: إنه لم يكن على هذا الحال، إنما هو:« شخص يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وتغريه نفسه الأمارة بالسوء والخير»، فتسموا الأولاد المغرر بهم بأسماء الصحابة والتابعين، واتخذوا من «الجهاد» سبيلاً، والتكفير معتقداً، بعيداً عن الوعي والعلم والتفكير، وخاضوا في حروب تعني لهم القداسة، لكنها الأباطيل، ولم يعودوا ثانية، وإن عادوا، عادوا ناقمين أو بأكفان، وإلا دفنوا حيث كانوا، هناك في عبثية الموت والسياسة وأدعية «الداعية» لهم بالحور العين!.
amood8@yahoo.com