عالجت وزارة التربية حادثة تسريب امتحانات الأحياء بأسلوب فوقي، فاختارت الحلقة الأضعف والطريق الأسهل فعاقبت الطلاب الذين استفادوا من التسريب لمنحهم درجة الصفر.. صحيح أن هؤلاء استفادوا من هذه اللصوصية على حساب آخرين درسوا وسهروا وتعبوا وقد لا يحالفهم الحظ في الحصول على الدرجات المبتغاة، في حين الذين سرقوا جهد غيرهم كانوا سيخطفون الدرجات العالية.. ولكن ما نود أن نفهمه أن الوزارة قد حددت عدد الطلبة المستفيدين بـ 633 ومن خلال الصفر الممنوح لهم، سيعرف الناس الأسماء وستكون فضيحة هؤلاء الطلبة “بجلاجل”، فما المصير الذي سيؤول إليه الذين سربوا والذين خانوا الأمانة والذين ضربوا منهج التربية عرض الحائط، وسال لعابهم وراء دريهمات وشككوا الناس بقدرة التربية على ضبط سلوك أفرادها وموظفيها.. أعتقد أن الطلبة الذين استفادوا من هذه الخيانة مخطئون بلا شك ويستحقون أقصى العقوبات، ولكن العقاب الأشد يجب أن يقع على من سرَّب وأطاح بصدقية اللجان المشرفة على الامتحانات. فلو خرج المسؤولون في الوزارة وأعلنوا الأسماء التي سربت الامتحانات وأفصحوا عن نوع العقاب الذي سيوقعونه على هؤلاء الأشخاص، سوف تطمئن ضمائر الجميع، وسيكون العقاب والإفصاح عبرة لمن يريد أن يعتبر ودرساً لمن تأمره نفسه الضعيفة بهذا النوع.. ولكن للأسف التربية لم تفعل ذلك، ولا أعتقد أنها تفكر في فعل ما يلزم فعله لأنها تريد أن تطوي هذا السجل، وتخبئه في أدراج النسيان، «ولا من شاف ولا من دري».
نقول بكل صراحة مثل هذه المعالجات لا تقطع دابر خطأ ولا تنقص من مخطئ بل بالعكس، فهُناك الكثير سيتربصون ويتسللون ويختلسون الفرص، لارتكاب نفس الفعل وقد يكون أفظع وأشنع.. فلا عيب أن نخطئ، ولكن العيب كل العيب أن نتستر على العيون وندفن رؤوسنا في الرمل ونقول عفى الله عمّا سلف.. فهذه وزارة تربية، الأخلاق سمتها، والأمانة ديمومتها، والنموذج والمثال أساس منهجها، والخطأ فيها يلحق بأخطاء يجنيها المريدون والمتعلمون الذين يتلقون العلم والتربية والأخلاق الحسنة على يد طاقمها التربوي والتعليمي، وإذا سكتت التربية عن معاقبة المخطئ، فإنها تفتح الأبواب مشرعة لأسئلة لا حد لها ولا سقف.. وإذا تغاضت التربية عن إيجاد الحلول لمثل هذه التجاوزات، فإنها تفقد دورها الريادي في صناعة جيل تعلق عليه الآمال، وتقع على عاتقه مسؤولية تحمل الأمانة وصيانة المسؤولية، والالتزام بأخلاق هذا البلد النبيل.
أسئلة بعدد رمال الصحراء سوف تنثر في الأذهان، وسوف تؤرق أولياء الأمور الذين وضعوا مصير أبنائهم بين أيد يفترض أن تكون بقدر المسؤولية.. وكذلك الطلاب الذين تتفتح أذهانهم على غايات وأهداف سامية، سيكونون تحت سطوة الشك من قدرة التربية على تحقيق العراك طالما لا يوجد الرادع الذي يحمي النفوس والوازع الذي يلجم شهية الذين تبلدت ضمائرهم.
نتمنى أن نسمع خبراً يثلج صدورنا عن رادع حقيقي لا فيه مسكنات، بل مضادات حيوية .. نتمنى..
marafea@emi.ae