قضية التوطين هم وطني، ومسألة يجب أن تشغل بال كل غيور على هذا الوطن المعطاء. ودعم وتشجيع أبناء البلد وتأهليهم ومساعدتهم للانخراط في سوق العمل يجب أن تتصدر الخطط والبرامج، وأن تكون أولوية تتصدر كل الأولويات والاستراتيجيات التي تنفذها وتطلقها مختلف المؤسسات والدوائر والهيئات الحكومية ، قبل أن نطالب القطاع الخاص بها. وتمكين المواطن وتوفير بيئة العمل الجاذبة واحدة من المفردات المعززة للتوطين، والمساهمة بشكل فاعل في حل المشكلة التي نعاني منها.
نحن متفقون على أن ثمة أموراً كثيرة ومعوقات تواجه التوطين، وأن بعض المؤسسات والدوائر مترددة في تفعيل وتعزيز المواطن بين جدرانها، وخلف مكاتبها التي لا يجد المواطن فيها طريقاً لدخولها وخدمة وطنه، ولن أتطرق لها في هذه الزاوية التي أود قراءة بعض الأرقام التي أعلنت عنها هيئة المعاشات والتأمينات الاجتماعية، والتي من شأنها أن تضاعف من حجم معاناتنا، وتفاقم من أزمة التوطين في مؤسساتنا الحكومية، ولعل أهم تلك الأرقام التي تضمنتها إحصائية الهيئة هي النسبة الكبيرة للتقاعد المبكر التي سجلت العام الماضي مقارنة بعدد حالات التقاعد، فقد بلغ عدد حالات التقاعد المبكر خلال النصف الأول من العام الحالي 125 حالة، بنسبة 56% من إجمالي 225 متقاعداً، فالنسبة المسجلة كبيرة، الأمر الذي يدعونا إلى المطالبة بتشجيع المواطنين على الاستمرار في وظائفهم، ويجب علينا اليوم وبعد هذه النسبة والرقم المعلن أن نبحث عن أسباب ترك المواطنين لوظائفهم وتفضيلهم التقاعد على مواصلة العطاء والعمل، خاصة أن من تنطبق عليهم شروط التقاعد يشكلون عنصر خبرة بمواقع عملهم، وهو ما يعني أن تقاعدهم يمثل معضلة أمام التوطين، ويهدر طاقات وظيفية يمكن أن تساهم في تطوير العمل، ونقل الخبرات للأجيال الجديدة.
وحسب إحصاءات الهيئة أن عدد المواطنين الذين خرجوا إلى المعاش قبل السن القانونية “التقاعد المبكر” خلال النصف الأول من العام الجاري، بلغ 125 مواطناً، منهم 55 كانوا يعملون في الوزارات و40 في مؤسسات اتحادية، و22 في القطاع الخاص، و8 في حكومات محلية، بينهم 73 من الذكور، و25 من الإناث، فإذا قبلنا بتقاعد الإناث، فإن عدد الذكور لا بد أن يسجل هاجساً لكل من يعنيه الأمر، خاصة أن النسبة الأكبر في المؤسسات الاتحادية، كما أن عدد المتقاعدين بالقطاع الخاص أراه كبيراً، ذلك لأن أعداد المواطنين بالقطاع الخاص محدودة جداً، ولا يشكلون رقماً في هذا القطاع.
قد نتفق وقد نختلف حول الأسباب والمسببات، لكن ما يجب أن نتفق عليه أن النسبة كبيرة والظاهرة باتت اليوم هاجساً وعاملاً إضافياً لهدر جهود التوطين، إذن لابد من تعزيز دور المواطن في المؤسسات الحكومية المختلفة. وتقليص أعداد المواطنين أصحاب الخبرة ممن يمكن الاعتماد عليهم، لا يخدم التوجهات والاستراتيجيات القائمة على توطين مؤسساتنا الحكومية، ولا يصب في مصلحة الوطن والمواطن.
m.eisa@alittihad.ae