الفنون المرئية
يُنظر إلى الفن على أنه تعبير ذاتي، وليس حاجة، ولكن الفنون الحديثة تعتبر حاجة وتعبيرا ذاتيا في الوقت نفسه، إذ تكمن الحاجة في الرغبة للصراخ، الضحك، البكاء، والقهقهة بصوت عال، كما أن هذه الذات تريد الاختلاط والتواصل مع الآخر، إن الحاجة إلى الفن حاجة خفية، تحتاج إلى إدراك وتأمل لاستيعابها، حيث إن حاجتنا إلى الطعام والشعور باللذة عند تناوله، يشبه اللذة البصرية والبصيرية التي ينتجها لنا الفن، فهي حاجة أساسية مثل الطعام، والجوع للفن يكون عبر عدم الاستقرار الذهني والغوص في أعماق القلق.
إن الطبيعة التي تحيط بنا لا تحمل سمة القبح أو الجمال، ولكن الفن يرمي بتلك الشباك على بصر الفنان، فينتج لنا الفنون المرئية. في السابق تم حصر الفنون المرئية ضمن المكان فقط، بعيدا عن الزمان، واقتصر الزمان على المسرح، لكن في الوقت الحالي شملت الفنون المرئية المكان والزمان، واتحدت مع بعضها، مما جعل الفنون المرئية مؤثرا واضحا في تغيير الأفكار في العقول، والمشاعر في القلوب.
كانت كلمة art تعني عند قدماء اليونان “إنتاج”، ولكن جاء أرسطو ليفصل بين الفنون الصناعية والفنون الجميلة، لقد خص الفنون الجميلة باسم “محاكاة”، وفي القرن الثامن عشر تم تقسيم الفنون إلى تعبيرية وتشكيلية، ذلك عندما وضع علماء الموسوعة الفرنسية “الإنسيكلوبيديا”، بين سنتين 1768 م و1771 م تعريفا للفنون يشمل ما كان منها تعبيريا كالشعر والموسيقى أو تشكيليا كالعمارة والنحت والتصوير.
أما الآن فإن المفاهيم المختلفة تم تغييرها، والتغيير يشمل المحتوى وليس العنوان، فالفنون المرئية هي عملية البحث عن الجمال، وهذا البحث إما من داخل الذات أو خارجها، وحتى وإن كان هذا الجمال عبارة عن عناصر، نتفاعل معها بشكل مستمر في حياتنا اليومية، نظن بعض الأحيان أن الجاذبية معدومة، بيننا وبين هذه العناصر التي نتفاعل معها بشكل يومي، ولكن الواقع أن الجاذبية بين هذه العناصر اليومية، تتجدد و تزداد. إن ما يقودنا نحو أهمية تلك العناصر والأشخاص، هو الفنون المرئية، فهي تكشف لنا حقيقة هذه العلاقة الحميمية، وطبيعة أنفسنا، فالفنون المرئية تذكرنا بالهوية الوطنية، بل تخلق موجودات أكثر أهمية وقربا من ذواتنا المحترقة وسط غربة التكنولوجيا، كما أن الفنون المرئية ترينا الواقع بصورة أجمل وأشمل.
وهنا يتبين لنا أن الفن حاجة وليس تعبيرا فقط، وأن الفنون المرئية فنون تعتمد على المكان والزمان، وتشتعل هذه الفنون عبر الحدث الذي يدفع الفنان نحو الإنتاج، فإن القوة التي تخلقها لنا الفنون المرئية، لا تكمن في القدرة على الاستغناء عنها، بل في القدرة على عملية التحصيل.
science_97@yahoo.com