تلقيت مرة مصحفاً فيه أغلاط في الآيات وترتيبها، وبعض الآيات ساقطة، رغم الشروط الموجبة لطباعة القرآن الكريم والتدقيق وأخذ موافقات الجهات المشرفة أو لجنة في الأزهر الشريف، إلا أن الأغلاط تتسلل إليه، ولأن مثل هذا الأمر يجب ألاّ يحدث، ولو بنسبة لا تذكر، لأنها هي التي ستستوقفنا، هذا إذا كنا نحسن النية، أما إذا كان الأمر غير ذلك، فنقول إن بعض الآيات تسقط بفعل تحريفها وإخراجها من سياقها ووقتها وزمنها والقصد منها، فالدولة الملكية، تنسى الآية.. «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة»، وكذلك يفعلون رغم أنها قد لا تعنيهم، وإن قام انقلاب عسكري يتقدمه رتل دبابات وبيان الإذاعة رقم واحد، كرسوا تلك الآية دلالة على فساد العهد البائد، وإذا وقعت دولة صلحاً مع إسرائيل حاولت طمس كل ما يخص الإسرائيليات والكلام الذي بشأن اليهود، ورتبت ما يتلى على أطفالها دون أن تجيبهم على أسئلتهم المعرفية، تجد كل الأطراف تتعامل مع المصحف كنصوص متفرقة، يأخذون ما يخدم الهدف اليومي والآني الذي يخدمه، ويخدم توجهاته ومآربه، ناسين قدسية النص وأنه يمثلهم، وأنه جزء من تاريخهم ووجودهم، حاضرهم ومستقبلهم•
ننتقل بحديثنا اليوم لنحاور الرقيب الجديد، الرقيب المؤدلج، الرقيب الذي يتبع المصلحة اللحظية، فيتدخل بمصلحته لتهذيب الكتب التراثية والقديمة بحيث يستقطع ما يخدم فكره ومعتقده، فكتاب مثل ألف ليلة وليلة، المترجم إلى لغات العالم كلها، تجده في بعض مكتباتنا وهو ناقص ليالي طويلة، صحيح البخاري طالته الأيادي الخفيّة حاذفين منه نقاط الاختلاف، والنقاط التي لا تعني في عصرنا الحديث شيئاً غير مزيد من الأسئلة ومزيد من إمعان العقل والمنطق، معتقدين أن لا أحد يقرأ أو لا أحد سيتنبه إلى ما فعلت أياديهم، والكلام يندرج على كتاب السيّر والتاريخ والكتابات الفكرية الممنوعة، دائماً هناك رقيب خفيّ من كل الأطراف، إن هذا العبث بالتراث الفكري والديني والأدبي، سيأتي أقوام بعدنا ولن يحترموه مثلما فعل بعضنا وربما أضافوا جديداً وأرجعوا قديماً وحذفوا شيئاً موجوداً، وكأن كل هذا ملك لفئة معينة أو نهج فكري معين أو معتقد معين، لا ملكاً للناس وللبشرية جمعاء، هؤلاء العابثون الممنهجون، المؤدلجون، هم أشبه بمحاكم التفتيش ولكن بطرق جديدة، فبوابات مسجد قرطبة لم تخلع من مكانها، ولكن صب على أجزائها صلبان ونقوش لاتينية، والخليفة الذي جاء بعد مائة سنة ويزيد وأراد أن يضفي على اسمه هيبة ومكانة في التاريخ، ومحو أثر الخليفة الذي بنى وعمّر، هذا الخليفة الجديد أضاف اسمه ونسي السنة القديمة الممهورة على الصرح الأثري، فكأنه شوه المكان وشوه سيرته•• لكن يبقى دائماً التاريخ•• وتبقى كلمته الأولى والأخيرة!
amood8@yahoo.com