ترفع صاحبه ولا تذله
منذ أكثر من ثلاثة أيام قرأت عن خصلة جميلة كان يتميز بها سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم وهي ميزة الحلم، التي هي برأيي من أعظم الصفات، وأنبلها فهي تروض نفس المتصف بها، وتهذبه وترفعه عن الخطايا، وأولُ عوضِ الحليم عن حلمه أنّ الناس أنصارُه على الجاهل كما أن المتأذي يطفئ جمرة الأذى بالحلم.
وهي ترفّع صاحبها، وأقصد هنا ترفع صاحبها أنها تخلق لذلك المتصف هيبة وميزة يصعب علينا أن نجدها في زمننا هذا، وللأسف إذا تميز بها أحد في وقتنا، رآه المحيطون به من صغار العقول ضعفاً وخوفاً وعدم القدرة على رد الإهانة، ولكن الحقيقة غير ذلك. فالحلم صفة تحتاج إلى رجاحة عقل وتماسك أعصاب قبل أن تكون قوة جسدية وثرثرة لسان، لذا يصعب ويندر في وقتنا أن نصادف أناس يتميزون بهذه الصفة، فالنفوسُ الكبيرة هي التي تعفو وتصفح عمّن أساء إليها، وهذا من شيمها وخصالها الحميدة وهي سبب من أسباب سموّها وإكبارها فهي لا تقابل الثأر بالثأر. والانتقام بالانتقام. والإساءة بالإساءة لأنها تتعالى إلى مستوى العفو والمغفرة والإحسان.
ويحكى أنه بينما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه، إذ برجل من أحبار اليهود يسمى زيد بن سعنة، وهو من علماء اليهود، دخل على الرسول الكريم واخترق صفوف أصحابه. حتى أتى النبي عليه السلام وجذبه من مجامع ثوبه وشده شدا عنيفا.
وقال له بغلظة “أوفي ما عليك من الدين يا محمد إنكم بني هاشم قوم تماطلون في أداء الديون”، وكان الرسول عليه السلام قد استدان من هذا اليهودي بعض الدراهم، ولكن لم يحن موعد أداء الدين بعد؛ فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهز سيفه وقال إئذن لي بضرب عنقه يا رسول الله، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه: “مره بحسن الطلب ومرني بحسن الأداء”، فقال اليهودي “والذي بعثك بالحق يا محمد ما جئت لأطلب منك دينا، إنما جئت لأختبر أخلاقك فأنا أعلم أن موعد الدين لم يحن بعد، ولكني أردت أن أعلم عن صفة حلمك حليم عند الغضب.
وأن شدة الجهالة لا تزيدك إلا حلما ولقد رأيتها اليوم فيك فأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله، وأما الدين الذي عندك فقد جعلته صدقة على فقراء المسلمين”. وقد حسن إسلام هذا اليهودي، واستشهد في غزوة تبوك.
Maary191@hotmail.com