هل انتهت حرب غزة؟ لا أحد يعلم، لا شيء يعطي مؤشرا على نهايتها ولا شيء أيضا يعطي مؤشرا على أنها قد تستأنف من جديد، طرف واحد فقط يملك القرار هم قادة إسرائيل وجيشها الذين اختلقوا سببا للحرب وحددوا أهدافها القريبة والبعيدة، أعلنوا ساعة الصفر وذهبوا إلى غزة، قلبوا ليلها نهارا وأعملوا أسلحتهم في البشر والشجر والحجر، أشبعوا شهيتهم للدم والخراب، لكنهم لم يعلنوا ولا مرة واحدة طيلة أيام الحرب التي شارفت على الشهر أنهم قتلوا أحد قياديي المقاومة، أو نسفوا أحد الأنفاق أو حرروا الجنود المختطفين أو نزعوا سلاح المقاومين، ذهبوا وعادوا مسجلين على أنفسهم أنهم قتلة أطفال حقيقيون لا يشق لهم غبار، وأنهم قتلة نساء بارعون وصانعو دمار من الطراز الأول ، هذا الإنجاز لا تتحاشاه الجيوش المتخلفة والبربرية عادة حتى في ظل تبدل المفاهيم والحقوق والمحاكمات والفضائح والضغوط الدولية. السؤال: ماذا حقق نتنياهو وقادة إسرائيل من عملية الرصاص المسكوب 2 كما يطلقون على حرب غزة الثانية التي هي استكمال لحرب عام 2008؟ دمروا 10 آلاف منزل، وتسببوا في تشريد آلاف الأسر وتدمير حياتهم، قتلوا مئات الأطفال والشباب والنساء؟ لكنهم والحق يقال جعلوا القضية تعود لبؤرة الاهتمام العربي والعالمي، سواء كان ذلك لأجل الفلسطينيين أم لأجل الإسرائيليين- لا يهم- المهم أن القضية عادت محط الاهتمام والتفاوض وطرح المبادرات، والأهم أصبح هناك جدل واضح وعالي النبرة في الغرب حول الهزيمة الحقيقية للجيش الإسرائيلي الذي رغم كل الدمار الذي أحدثه غير أن أهدافه الاستراتيجية لم تتحقق وظلت معلقة حتى إشعار آخر. إن الهدف من وراء عملية حرب غزة كانت أكبر من قتل 1800 شخص وتدمير المنازل، هو ضرب سلاح المقاومة، إسرائيل تخاف من هذا السلاح كثيرا، خاصة في ظل كل التطورات الحاصلة في المنطقة وفي ظل التطور التقني والفني الذي طرأ على الصواريخ وعلى فنون القتال الفلسطينية، حين يتعلق الأمر بالعمليات النوعية الميدانية على خطوط الجيش الإسرائيلي والتي أسفرت عن أسر المزيد من الجنود، هذا السلاح صار مطلوبا بأية وسيلة كالمجرم المطلوب حيا أو ميتا. لقد قالت إسرائيل ذلك صراحة لكل الأطراف التي تتفاوض نيابة عن الفلسطينيين، إذا أردتم البدء في إعمار غزة وتأمين المأوى لآلاف الأسر والحياة الكريمة للناس وبدء عجلة الاقتصاد والعمل والرفاه فالثمن هو السلاح، غزة يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح لتشعر إسرائيل بالأمان، ما يذكر بقول السيدة حنان عشراوي «نحن الشعب المحتل الوحيد المطلوب منا تأمين الأمان لمحتليه، وإسرائيل هي الدولة المحتلة الوحيدة التي تزعم أنها تدافع عن نفسها في مواجهة الضحية». صار واضحا اليوم أن نزع سلاح الفلسطينيين هو الهدف الرئيس الذي دارت لأجله حرب غزة وصب كل ذلك الرصاص المسكوب على رؤوس الناس فيها، وأن شعار الأيام المقبلة سيكون (السلاح مقابل الإعمار) وستعقد تحت هذا الشعار عشرات الاجتماعات وجولات المفاوضات، وسنتذكر كثيرا العراق أيام الحصار وقبيل الحرب وشعار النفط مقابل الغذاء، يبدو أن لكل مرحلة حروبا وشعارات وأطنانا من الأكاذيب.