في السنوات السابقة كانت كلمات زعيم القاعدة أسامة بن لادن مشهداً إعلامياً راسخاً على قناة الجزيرة، كان البث يقطع بشكل مفاجئ ليعلن المذيع أو المذيعة في خبر عاجل عن كلمة هامة سيلقيها بن لادن حول الأحداث الجارية، وكأننا في العالم العربي يومها لسنا سوى رعايا لمملكة واحدة يحكمها بن لادن، وأن علينا أن نتسمر أمام الجزيرة - تحديداً الجزيرة - بانتظار كلمة الملك ! لماذا الجزيرة؟ قيل يومها لأنها الأكثر مشاهدة وجماهيرية في الوطن العربي، وكان هناك شك كبير في هذا التبرير لكن معظم الناس تقبلته وظلت تنتظر الكلمات المسربة عبر الأشرطة اللغز ! حتى ظهر الوجه الآخر للحقيقة ! وانتهى بن لادن نهاية غريبة هكذا فجأة، ودفن في مياه بحر مجهول، ومعه تكاد إسطورة القاعدة أن تتلاشى دون أن نفهم الأهم من أسرارها وألغازها وتمويلاتها، حتى أن علاقتها بوكالة المخابرات الأميركية (CIA) لا تزال نظرية مطروحة يصدقها الكثيرون، المهم أن جزءاً من المخطط التخريبي قد تم تنفيذه مع أفول نجم القاعدة، ليبدأ الفصل الأكثر دموية منه مع بزوغ نجم داعش والنصرة في العراق والشام، الجماعات الإرهابية التي غادرت الكهوف واحتلت أواسط المدن في سوريا والعراق وهاهي تزحف على حدود لبنان ويقال إن هناك من يهتف لها في المغرب والأردن ! ومع هؤلاء الإرهابيين المتطرفين لم يخل المشهد إعلامياً من مقاطع فيديو وصور ومنشورات وتسجيلات صوتية، الإعلام في ركاب الجميع يوظف بشكل قوي وذكي ولئيم جداً والجميع يتابع ويصدق ويتأثر ويخاف، الجميع تصله تسريبات أشرطة داعش لكن أحداً لا يسأل عن سببها وتوقيتها ودرجة دمويتها، هل يبدو معقولا لمن يريد أن يؤسس دولة إسلامية ويكسب الناس لصفه أن يطلق في وجوههم هذا القدر من الإرهاب والقتل والدم وجز الرؤوس هكذا دون خوف أو تردد؟ إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها ! إن جز رأس إنسان مترافقا مع التكبيرات المدوية والتهديدات المخيفة، لا يصدر بهذه السلاسة والبساطة إلا من أشخاص لديهم مخطط محدد للوصول إلى هدف محدد، وهم بلا شك منومون أو مخدرون أو ميتو المشاعر، هؤلاء الأشخاص مغسولو الدماغ تماماً وهم حتماً تحت تأثير نوع قوي من المخدرات تجعلهم يرتكبون هكذا أفعال شنيعة بدم بارد (هذا يشبه حركة الحشاشين التاريخية)؟ الأطفال بدأوا يسألوننا عن داعش، الفتيات الصغيرات كذلك والشباب الذين لا ينتبهون عادة للحركات الأصولية والفكرية أصبحوا يبحثون في جوجل عن كلمات مثل متطرفين وداعش وأصوليين وغيرها !! بينما إعلامنا ومذيعونا ومناهجنا لا زالوا يعيشون زمن الراقصات والفنانات والمقالب السخيفة، ويتغنون بحضارة الفراعنة وفتوحات عمرو بن العاص، في الوقت الذي هدمت فيه إسرائيل المسجد العمري الذي يعود لقرون طويلة وها هو داعش يضع معوله ليل نهار في الآثار الإسلامية الهامة دون رادع، فمن لا يرف له جفن وهو يقطع رأس إنسان كيف سيتردد أمام هدم مسجد أو مزار لا يرى فيه سوى مجرد حجارة ! لنتوقف أمام ما يحدث لنا ولو قليلا، فهذا الذي يحدث لا يواجه بالسلبية والفرجة، كفانا سنوات الفرجة والهبل زمان بن لادن والقاعدة، كيف تسمح دول بسكانها وحضاراتها وجيوشها لمسلحين متخلفين دمويين بالتحرك هكذا ببساطة واحتلال المدن وطرد الناس من ممتلكاتها والعودة بوطن يدعي أهله أنهم أهل حضارة وتقدم إلى أزمنة التخلف والكهوف والقتل على الهوية والسبي وأسواق النخاسة والرقيق؟ ما يحدث مخيف ومرعب وأكثر لكن موقف الأنظمة والجيوش أكثر رعباً في الكثير من الدول !! ayya-222@hotmail.com