لماذا بالإنجليزية؟
«ثانك غاد آيم آن آراب». شكراً للرب لأني عربية!. قالتها لزميلها العربي بالإنجليزية. يقضون الوقت يتحدثون بالإنجليزية. في الاجتماعات، في الأحاديث العادية، في التراسل عبر البريد الإلكتروني يتخاطبون بالإنجليزية، حتى في تبادل النكات، لا يهم إن كانت إنجليزية صحيحة تماماً، حتى إن البعض إنجليزيته مثل عربية الأجنبي لكنه يصر على التمسك بها. كلهم يتحدثون الإنجليزية. وكلهم عرب. لماذا؟!. هل هو التعود فقط؟ بسبب التعليم واشتراطات العمل؟، أم لأن هناك سبباً أعمق وأبعد؟ هل لأن اللغة الإنجليزية تمنحنا - في اللاوعي - إحساساً بالنجاة من قارب العرب الغارق؟
حين أتابع «البي بي سي» أو «السي إن إن» وأرى المذيعات والمراسلات من أصول هندية أو أفريقية أو عربية أشعر بأنهن قد نجون. ببدلاتهن الأنيقة، تسريحة الشعر المهندمة، «اللوك» الاحترافي، باللغة الإنجليزية المتقنة، أشعر فيهن إحساساً خفيّاً لكن عميقاً بالنجاة. كمن وصل إلى بر الأمان من سفينة غارقة. التقارير التي يعرضنها عن بؤس الأوضاع في هذه المناطق، حيث مسقط رؤوسهن أو رؤوس آبائهن إن كنّ من الجيل الثاني للمهاجرين إلى أوروبا، أوروبا الخلاص، هل نفهم الدافع الذي يجعل الشباب يقدمون على الهرب في قوارب يعرفون أنها قد تغرق بكل بساطة وفي أي وقت؟ لكن لا بأس، فرصة أمل في الوصول إلى شاطئ أوروبي أفضل من الحياة برمّتها على بر وطن يدفنك حياً.
تتحدث المراسلات عن أوضاع مأساوية، عن أهوال في الواقع، أهوال يشيب لها شعر رأس الرضيع. لكنهن يتحدثن بالإنجليزية، فهن مراسلات لقناة أجنبية. لسن نسوة مسكينات خاضعات لسلطات فكر ظلامي يمارس عليهن وجوده العفن. لغتهن الإنجليزية تمنحهن مسافة آمنة من البؤس حولهن. ماذا لو لم يتقنّ اللغة؟
أعترف أني أيضاً أحب الحديث بالإنجليزية أحياناً. رغم تدهور مستواي فيها بسبب التركيز على قراءة الأدب العربي في السنوات الأخيرة. لكني ألجأ إليها كلما عرفت أن مستمعي يجيدها أيضاً. فيها أتحرر من التفكير فيما يجب أن يقال وما لا يجب أن يقال. أو من خشية أن يساء فهمي وأبدو خارج السياق رغم أني داخله!، بالإنجليزية تبدو الحوارات كلها قابلة للتفاهم ولاشيء يثير الغضب والعصبية، ربما يتسلل إليك أيضاً البرود الإنجليزي العقلاني مع نطق اللغة. فاللغة ليست فقط حروف وكلمات وقواعد نحوية، إنها تكوين نفسي هائل لكتلة حُية هي الإنسان الناطق بها. إنها حقاً هوية، لكن ليست هوية لغوية، إنها هوية روحية، هوية وجودية. وحين لا يكون الوجود المعبر عنها صحياً تجد اللسان يتئتئ أو يثرثر دون أن يقول شيئاً، أو يصمت فقط، إن لم يتقن لغة بديلة تنقذه. أتفهم الدعوات والمبادرات الوطنية والقومية لإحياء اللغة العربية وتشجيع التعامل بها. لكن اللغة تابع لا متبوع. هي تنهض حين تنهض الأمة التي تتحدث بها، حين تنهض الذهنية والنفسية والفكر والشخصية التي تتحدث بها. لكن حين يكون كل ذلك يراوح بين اليأس والحضيض أي حياة للسان العربي؟
تجول في الخريطة العربية، أين العافية؟ هل نلوم الشباب إذا سقط بكليّته، بفكره، بطاقته، بقلبه وقالبه، في أتون اللغة الإنجليزية علّه ينصهر فيها فيعود فرداً جديداً سعيداً، لا ينتمى إلا إلى الأخضر الأوروبي وحقول الزهور وبتلات الورد وخدود العافية وبياض الثلج ونقاء الهواء وعطاء الطبيعة وهبات الحياة واحترام العقل والإصغاء والوقوف في الطابور وانتظار الدور الذي سيصل؟ هل نلوم إنساناً يحاول أن ينجو، ولو بلسانه؟
Mariam_alsaedi@hotmail.com