ما يقلق العالم، ويثقل كاهله، هي هذه البراجماتية العنيدة التي تصور الأشياء، ليس كما هي، وإنما كما يراها أصحاب المصالح، فاليوم وبعد تفشي وباء داعش، في كل بقعة من بقاع بلاد الرافدين، وبعد أن أصبح هذا الورم الخبيث خطيراً جداً على صالح من وقف مكتوف الأيدي، تفتحت العيون، وأرهف السمع، لصرخات المفجوعين، والمشردين، وصار لا بد من مواجهة هذا الطوفان العارم بالقوة . . كنا نتمنى أن يعي العالم أجمع أن داعش وتوابعها، وما قبلها وما بعدها، فئات ضالة ناقصة ساقطة ساخطة، فاشلة لا هدف لها إلا تبديد الساكن، وتفتيت المكان الآمن، والتخريب والتدمير والقتل، كل ذلك يأتي تحت ذريعة واهية، متداعية، وهي نشر الإسلام، والإسلام من هذه الحجج الظالمة بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وفي ظل الظروف التي تعيشها بعض البلدان، مثل العراق وسوريا، التي وقعت تحت ظلم الأقربين، كان لا بد لداعش أن تنمو مثل الفطريات في الأماكن القذرة من الجسد، ولكن، ما نعيبه على العالم المتحضر هو أن داعش لن تكتفي بهذا القدر من الاحتواء والاستيلاء، وليس هدفها بقعة صغيرة مثل الموصل، أو كركوك، أو غيرها، وإنما الهدف فهو أوسع وأشنع وأفظع، الهدف هو إشاعة الفوضى وتحويل العالم أجمع إلى طرائق قدد، وإلى لحم مقدد تأكله الضواري وما يزيد منه يتعفن في الشوارع والأزقة، كما يحصل الآن في العراق . . فإذا كان العالم يؤمن بحق بشرعية حقوق الإنسان وبأحقية أن يعيش الإنسان بأمن وأمان وسلامة وحرية، فعليه أن يتحرك بجدية، وأن يعمل على محاربة الإرهاب في كل مكان ولا يدع للمسوغات الوهمية أي مكان، فالإرهاب، ليس له إلا معنى واحداً، سواء كان في هذا البلد أو ذاك، وألا يخضع العالم لتصفية الحسابات والفرز العشوائي للمبادئ والقيم، فكما أن هناك داعش في العراق وسوريا، فهناك أيضاً، داعش إسرائيل، لا تراعي ذمة ولا ضمير في قتل الأبرياء، بل تتخذ من كلمة المتطرفين في غزة حجة شيطانية، لقذف النار بلا هوادة على رؤوس الأبرياء ووضع نحو مليوني إنسان تحت رحمة، محاربة «حماس» . . نقول وبكل صراحة، العالم سيظل في هاوية البؤس والتشرذم، ما دامت هناك أجندات متضاربة، وما دامت هناك مصالح متصادمة، وما دامت هناك عقول تفكر فقط في اللحظة الآنية دون سواها، ما نتمناه أن يعي العالم أن خلاصه من الإرهاب في أي مكان، يبدأ بتحرره من البهتان ومن التخلي عن مسؤولياته الأخلاقية تجاه المظلومين في كل مكان، وما كان لداعش، أو متطرف إسرائيل أن يتفشوا ويتوغلوا ويتورموا ويصبحوا قرحاً بصديد لولا صمت العالم واختياره المصالح الآنية فوق القيم والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان ونصرة الشعوب المضطهدة . . نتمنى يقظة حاسمة، تقصم ظهر الظلم وتنهي عذابات الملايين، فلا ذنب للعراق المطحون بالمالكي أو زيد أو عبيد، ولا ذنب للفلسطينيين المسحوقين بحماس أو عباس . . هؤلاء الضعفاء يريدون العيش بسلام وتأمين مستقبل أطفالهم المسلوب.