حين يُعطي المواطن الإماراتي إشارات واضحة تدل على اهتمامه بشؤونه الاجتماعية، وحرصه على كل ما له صلة بالإمارات وأهلها، فإن ذلك يجب أن يُفرح القلب وليس العكس، وحين يتحدث انطلاقاً من المصلحة وينتقد مرتكزاً على الخوف على هذا الوطن فإن هذا المواطن لا يفعل شيئاً خاطئاً ولا مفاجئاً ولا جديداً، فله كل الحق أن يخاف على بلده، ألم يعلِّموه دائماً أن الوطن كالأم والعرض، وأن حبه من الإيمان، وله كل الحق كذلك أن يتكلم بكل الوضوح والصراحة طالما لا يتجاوز حدود الأدب والتأديب ولا يعتدي على أحد ولا يقترب من سمعة أي شخص كائناً من كان.
كنت أتحدث مع أحدهم ممن أظنه يجيد لعبة المزايدة باسم الوطن والوطنية، وكان حاضراً خلال الحديث شاب أعرف فيه حرصه ووطنيته، فقال منتقداً ناحية معينة في إحدى المؤسسات الحكومية، فإذا بصاحبنا المزايد ينظر تجاهه متفحصاً وصاعداً بنظره نحو الشاب من قمة رأسه إلى أخمص قدميه ثم وبدون مقدمات قال له: لا تعرفون إلا النقد والتحريض، لا ترون سوى السلبيات أما الإيجابيات وما أكثرها فإنها لا تملأ عيونكم، ماذا تريدون أنت ومن يفكر مثلك بالضبط.. ثم أنهى كلامه بعبارة: أحمد ربك واشكره على ما أنتم فيه!!
لم يتمالك الشاب نفسه فضحك، وهنا انفجر صاحبنا من الغضب متسائلاً: هل فيما قلته شيء يثير كل هذا الضحك لديك؟ فأجاب الشاب: بل أنت من أثار ضحكي قبل كلامك! أما لماذا فقد وضح له قائلاً: أولاً لأنني لم أعرف أنك محامي المؤسسة التي تحدثت عنها وإلا كنت أخذت حذري، وثانياً إذا افترضنا أنك حامي المؤسسة فإنك الآن خارج الدوام وفي إجازة فهل سيعطونك بدل عمل على هذه المحاضرة التي أسمعتني إياها؟ لكن الذي أضحكني أكثر هذا الخوف الشديد الذي أراه في عينيك فأنت تتحدث كمن يسمع أحداً، فاطمئن أيها المحامي أنا لن أنقل هذا الحديث لأي أحد!!
لم يرد عليه صاحبنا، لكنه بدل إكمال الحوار استأذن وانصرف، وهو لم يكن محام للمؤسسة لكنه من هذا النوع الذي يجيد وضع العصي في العجلات، عجلات التصحيح والنصح والإشارة إلى مكان الأخطاء، لأنه برغم ما يحاول أن يوهم الآخرين فهو من أكثر الناس اهتماماً بمصالحه الشخصية على حساب هذا المجتمع، لقد قال لي مرة: لا أنتقد ولا أقول رأيي في شيء مهما كان خطأ، إنه أمر لا يعنيني وسواء خربت المؤسسة أو “صلحت”، المهم أن أنجز معاملاتي مع كل المؤسسات بيسر وبدون مشاكل، وأن تسير مصالحي وفق ما أريد دون أن أفقد أي صلة بهؤلاء الناس الذين يسيرون المصالح.
هؤلاء الناس موجودون في كل زمان ومكان، وربما يعتقد البعض أن من حقهم أن يحافظوا على مصالحهم، لكن من قال إن المصالح هي المبتدأ في جملة الوطن؟ من قال إن النقد ووضع اليد على الأخطاء والتجاوزات سلبية وسوء أدب مع الوطن؟ من قال إن الدال على الخير وعلى إصلاح التجاوزات لصالح المجتمع إنسان لا يقدر النعمة ولا يشكر الله؟.


ayya-222@hotmail.com