حين سأله “سولومون نورثرب” لماذا لا تفعل كبقية الأسياد المتعجرفين هنا أيها السيد المحترم، أجابه: (لأنك تفقد جزءا من إنسانيتك بمجرد أن تمسك عصا وتضرب بها آخر لمجرد إحساسك أنه أقل منك في السلم البشري). هكذا قال أحد معارضي سياسة الرق التي سادت أميركا قبل حرب التحرير الأهلية بين ولايات الشمال وولايات الجنوب والتي قادها إصلاحيون كبار أمثال إبراهام لنكولن، وعلى أساس العبارة تلك تقوم فلسفة العبودية والرق والتمييز العنصري، والتفوق العرقي وغيرها من نظريات الفوقية التي كان يؤمن بها بشر كثيرون أفرز إيمانهم المقيت ذاك أوضاعاً إنسانية في غاية البؤس والشقاء والقهر، وهو ما يحاول بعض المؤمنين بالنظريات نفسها أن يكرروه في أيامنا هذه، بينما قطعت البشرية قروناً من العمل والجهد المضني لأجل رقي الإنسان وتحضره كي يغادر حيوانيته وظلام نفسه. إن خبر بيع مئات النساء اليزيديات مؤخرا في سوق الرقيق على يد تنظيم داعش لا يمكن وصفه إلا باعتباره ردة إنسانية لا تفقد العالم المتحضر جزءا من إنسانيته فقط بل كل إنسانيته. “عبد لمدة 12 عاما” فيلم يعرض لقصة حقيقية دارت أحداثها في العام 1841 في الولايات المتحدة، حول حياة “سولومون نورثرب” الرجل الأسود الحر، الذي يعيش مع زوجته وولديه حياة مستقرة هانئة يحظى فيها بوضع اجتماعي جيد كعازف كمان مشهور له أصدقاء من البيض. هذه الحياة التي تنقلب رأسا على عقب بشكل مفاجئ حين يغريه رجلان يدعيان أنهما فنانان جوالان يرغبان في أن يشاركهما العزف في ولاية أخرى، فيذهب معهما ويثق فيهما، لكن يتضح لاحقا أنهما لم يكونا سوى أصحاب مكتب يبيع الرقيق وأنهما خدعاه وباعاه كعبد لسيد استعمله ثم عجز عن حمايته فباعه لسيد آخر ليعمل في حقول القطن وليذوق أشكالاً من القهر والعذاب لمدة 12 عاما، بالرغم من إصراره على أنه لم يكن عبدا أبدا وأن لديه أوراقا تثبت ذلك، لكن أحداً لم يكن مهتما بالإنصات له. إن كل الذين آمنوا بنظرية تفوقهم العرقي على بقية البشر مارسوا السلوك نفسه، قتلوا وأحرقوا واستغلوا وباعوا الناس واشتروهم، ونظروا لهم نظرتهم للحيوانات لا أكثر، لا لشيء إلا لأن بشرتهم مختلفة عنهم، أو لأن دينهم مختلف أو مذهبهم أو مكانهم في السلم الحضاري، وإذن فهؤلاء يعتقدون أن الحياة لا تحتمل وجود جنس آخر غيرهم حسب اعتقادهم وعليه فلابد من إبادته أو استغلاله أو استخدامه لخدمة الجنس الأفضل وبأي شكل مقيت تماما كما فعل الرومان بأعدائهم وكما فعل المغول، وكما فعل المستوطنون الجدد بشعوب أميركا الحقيقيين ومثلهم فعل هتلر واليهود وحكام المستعمرات في كل الدنيا. “أن تضرب إنسانا لشعورك بأنه أقل منك إنسانية يعني أنك فقدت جزءا من إنسانيتك” فماذا لو بعته رقيقا واستعبدته وقتلته وأفنيته أو مارست عليه أشكال التعذيب والقهر، لأنه جزء من ممتلكاتك (يقول سولومون لسيده وهو يضرب فتاة صغيرة من عبيده: إنك ستحاسب يوما على هذه الخطيئة. فيجيبه السيد ليس هناك خطيئة، فالرجل حر يفعل ما يشاء بممتلكاته”. هذا الفكر الذي يحاول البعض اليوم أن يشيعه تحت عناوين وادعاءات عنصرية سقيمة، في عصر انفجار المعرفة والتقنيات والتفوق العلمي! في وقت يصمت فيه من يسمون أنفسهم بالعالم الحر والمدافعين عن حقوق الإنسان والحيوان، يصمتون تماما كأنهم يمارسون فعل استعادة لتاريخ أجدادهم، فيجلدون أنفسهم بما يشاهدونه وربما يشعرون بنوع من الراحة تماما كما قال السيد لسولومون بعد أن أشبع الفتاة ضربا” الآن أشعر براحة حقيقة وإن شئت فأنا أشعر بالسعادة”. يبدو جليا أنه كلما تقدم الإنسان قلت إنسانيته. ayya-222@hotmail.com