نحن في اليوم السادس من أيام الصوم المبارك، ولا تبدو الشاشة الفضية مبهرة أو مدهشة بالنسبة للمشاهد العربي، كما أعلنت القنوات أو كما وعدت مشاهديها، فباستثناء مسلسل عمر الذي يتناول سيرة وحياة الخليفة عمر بن الخطاب، فإن أغلب الأعمال التي استطعنا رصدها على الأقل تبدو عادية جداً ومكررة من حيث الحبكات والموضوعات، الثورة المصرية لم تظهر في الأعمال المصرية بقدر ما ظهر نوع من الترف المبالغ فيه في كل ما يتعلق بأماكن التصوير وثياب الممثلات والممثلين وحتى في تسريحات الرجال! قبل النساء، فقد بدت المشاهد غير معقولة وبعيدة عن الواقع، كما في مسلسل «مع سبق الإصرار»، والسبب هو اللجوء إلى التصوير في غرف فندق من فئة الخمسة نجوم على أنه منزل محامية مشهورة مثلاً!
يبدو مسلسل «الخواجة عبد القادر» ليحيى الفخراني مغايراً عن الثيمة السائدة، وإن كان عسير الهضم بعض الشيء، إلا أن الحكم عليه مبكراً الآن، أما مسلسلات «البنات» (بنات العيلة - حكايات بنات - ملحق بنات - ...) فخلطة عجيبة من الممثلات اللواتي يتبارين في اختطاف المشهد وسرقة الكاميرا كل لمصلحة أزيائها ومكياجها، أما السيناريو والإخراج، فقد اختلط الأمر على المشاهد إلى درجة لم نعد نعرف أين تمثل صبا مبارك بالضبط، خاصة أنها تمثل عملين دفعة واحدة لا يقتربان تماماً من عملها المتألق في الملكة بلقيس الذي مثلته في رمضان 2008.
العمل الكويتي «ساهر الليل وطن النهار»، يحكي تفاصيل حياة أسرة كويتية قبل وأثناء غزو الجيش العراقي للكويت صيف 1990، العمل مميز فعلاً، ويثير الكثير من شجون النفس، كما يقلب عميقا في أغوار الذاكرة الجمعية للأجيال التي عاشت مأساة غزو الكويت، ولا أدري لما أحسست وأنا أتابع الأحداث بمدى المرارة التي ستتركها مشاهد المسلسل في نفوس الكويتيين تحديداً ممن تجاوزوا الحدث قدر استطاعتهم، كما أن أجيالاً جديدة سيُنعش المسلسل ذاكرة القهر فيهم تجاه جارتهم العراق، لست ضد توثيق التاريخ، وغزو صدام للكويت من أكثر أحداث تاريخنا المعاصر بؤساً، إلا أن هناك ما نقوم بتوثيقه للاستفادة منه، أكثر من أن نتأمله؛ لأن تأمل الجرح أكثر إيلاماً من الجرح نفسه.
نأتي للعمل الذي اختلف عليه المشاهدون ودخل بعض العلماء على خطه فحرموا مشاهدته، لاعتبارات وجدوها منطقية من وجهة نظرهم، وهنا فإن احترام الرأي الآخر وتقدير أصحابه واجب علينا، فلكل زاوية يطل منها ورؤية ينطلق من خلالها للحكم على كل ما يمر به، ومع القائلين بأنه ما من ممثل يستحق أن يجسد شخصية عمر بن الخطاب، فالأمر هائل وعظيم، وأنا أغبط الممثل الجديد الذي بدأ مسيرته بهذا الدور، وبهذا الإشكال الذي طال الشخصية.
إن كثيراً من أجيالنا الجديدة قد تعلقت بشخصية عمر من خلال المسلسل، لسببين: الخلاف الذي صاحب عرض المسلسل وتقنيات وإمكانات المسلسل نفسه، فلا ينكر للمخرج حاتم على أنه حرك في مشاهده مجاميع هائلة خلال المشاهد الخارجية للمعارك وغيرها، كما أنه اعتنى كثيراً بالملابس وتحريك الكومبارس، واختار ممثليه بعناية فائقة، بعيداً عن التهريج والعشوائية، يبقى لا يزال غير متقبل لظهور عظيم كعمر مجسداً على الشاشة، وهو الذي اعتاد تحريم التجسيد منذ أن أصدر الأزهر الشريف فتواه عام 1926، إلا أن فائدة التعرف إلى شخصية عمر يتوجب النظر إليها بعين الحكمة لأجيال افتقدت القدوة وقداسة الشخصيات العظيمة.


ayya-222@hotmail.com