تتآخى الوحوشُ ونحنُ مفترقان يا ابن دمي. . يهاجرُ القتلةُ من أصقاعٍ بعيدة ويتحدون في شبرٍ، ويكبر حلمهم بإقامة دولة القتل. ونحن نتباعد، وألمسُ في عزيمتك رخاوة من استشرى العناد في جسده، وأرى أنك تزداد في الغيّ موهوماً بأن النار التي يحملها البعيدون، هي شعلة الحرية والكرامة ومصباح الأمل، لكنها إن اقتربت، تصير النار التي تريد أن تحرق الحرث، وتبيد النسل، وتنهب ما تدلى من أغصان خيرٍ ننعم تحت ظلالها. وكيف تصدّق الوحش يا ابن دمي، ألا ترى أنه يبطشُ بالطفل والوردة والرمز، ألا تسمع أنين ضحاياه وهو يلهث في التهام العظم واللحم المحروق لجسدٍ بريء. لماذا تناديه من بعيدٍ، وجميعنا يدركُ أن أقدامه الثقيلة، إن دخلت أرضك بترحابٍ منكَ، لن ترضى بالخروج أبدا، وقد نراكَ تُزاح من نعيم الظل، وقد تمشي حافياً في الشمس بلا عضدٍ ولا أخوة ولا جيران. من يتخذ الوحش مثالاً؟. من هذا الذي يربيه ظناً أنه بذلك سيصير سيداً على من يربّون العصافير؟. إنه الوهمُ يا ابن دمي، وأنا أناديك كي تنأى بنفسك من مصير الهاوية. هيهات أن تجد الكرامة في معانقة الغريب، هيهات أن تعود يدك بيضاء وأنت تصافح السيوف المنقوعة في دم الأبرياء. وكيف سينبضُ قلبك بالحب وأنت تغذي جيش الكراهية وتمده بالعسل والمدافع والسكاكين. كبرنا في طفولات الأمل، ورضعنا من حليب نقيّ اسمه حب هذه الأرض، ونحن نغني صدى أجدادنا، لكن النشاز صار يطرأ في نباح المنابر، وسمعنا حشرجات دجالين، ونمٍاً وذمٍاً ونشيد غمٍ وفتاوى لسفك الدم. فكيف تطرب لهؤلاء وما عهدتك إلا سليل دمي. كيف يكون هؤلاء الغرقى سفينة نجاة، وكيف يكون الحصانُ المريضُ رهانك في الوصول إلى بر الأمان. هذه الأرضُ أقدس من أن تطأها ثعالب الغدر وفئران الجحور، وهذا الهواء أصفى من أن ترتفع فيه غيوم الحقد، وهذا ليلنا البهيّ أنقى من أن تحلّق في عرسه خفافيش المكر. لا تنتهي لعبة العناد إلا بهزيمة من يحمل الغل لأخيه، وهذه الشمسُ التي جبلتنا على حب الوضوح والحقيقة والشفافية، لا بد أن تكشف نوايا المندسين وراء الحق وهم أهل باطل وطبالو نفاق وخونة عهود ووعود. يدورُ الزمان ويجرّنا في فلك أيامه مرةً مراً ومراتٍ بنا أحلى. لكننا إن تفارقنا مخدوعين بمرايا الشر، أو إن هبّ تيارٌ وغيّر اتجاه سفننا، علينا أن نحتكم إلى الضمير، وأن نشدّ حبال بعضنا كي تدوم المسيرة للأمام. في أرضٍ قامت على الحب ورضع أهلها الطيبة وسرى في دمهم نقاء الأمنيات الخيّرة، لا بد من أن تنجلي الغُمّة ومهما ظن مثيروها أنهم ينتصرون، فان مصير ظنونهم السراب. لك الحب يا ابن دمي لك يدي إن شئت أن نقف معاً وعليك قلبي إن أغواك صوت الوحش مشيت له وحيداً في الظلام