تقول دراسة فرنسية إن العمل الليلي يصيب النساء بسرطان الثدي بنسبة 30 في المئة. وذلك نتيجة لاختلال في الدورة البيولوجية لديهن. ولو صدقت هذه الدراسة، فإن مصير الملايين من النساء مهدد بهذا المرض البغيض، ليس للعاملات ليلاً فقط، وإنما للساهرات الذاهلات الغافيات على الأرائك المندمجات مع شاشات التلفزيونيات المتابعات بشغف ولهف وتلف المشاهد المثيرة للمسلسلات التركية، والآن دخلت عليهن المسلسلات الهندية المدبلجة، بلهجة ليست أحسن من كلام الهندي المستعرب.. عندما ترى امرأة منسجمة غائصة في أتون اللقطات المستفزة، تشعر بالحزن على حال من سبقهن من الأمهات والجدات اللاتي، حفيت أقدامهن وهن يبحثن عن رمق الحياة وسقين عيونهن وهن يسهرن على مناغات الصغار في المهد، ويحرقن النهار بنيران التعب والشقاء، بينما سيدات اليوم أودعن الأمانة بين أيدٍ غير أمينة، وتركن الأشياء الثمينة تعبث بمصائرها الخادمة “المسكينة”.. أشياء صغيرة تغيرت وأشياء كبيرة تلاشت وقيم تدهورت ومبادئ اضمحلت وتقاليد باتت من زمن الماضي، ولا رجعة لأن النساء لا يردن تلويث أيديهن بقشور السمك، ولا تجريح الكفوف بمبيض الملابس، ولا تغيير لون المينيكير والبديكير، وأشياء أخرى صرن حريصات عليها لأنها عنوان الجمال والأناقة، والطعم الذي يسلب ألباب الأزواج.
ما بين واقع وواقع تغيرت المواقع، واتخذت المرأة الحديثة مقعداً خلفياً، أرخت عليه البدن، واستراحت من الأدوار الأسرية المحورية، وسهرت حتى الفجر قريرة العين مستريحة البال، والأطفال ينامون في أحضان الخادمة، ويصحون على عبوسها واكفهرار وجهها، وغيظها من هذه اللامبالاة التي تظهرها السيدة الوقور، والتي لا تبالي بكيل السباب على الخادمة إن زلت يدها وانكسر كأس الشاي أو تثلمت سكين المطبخ..
الخادمة مسؤولة عن كل شاردة وواردة في البيت، وحتى عن دبيب النمل على السجادة التي تمشي عليها السيدة، أم العيال، الخادمة مسؤولة عن إطفاء الأنوار، والمكيفات، وصنابير المياه، إن بقيت مفتوحة سهواً، وإن لم تفعل ذلك، فإنها متخاذلة عن أداء الواجب، خائنة للأمانة، لا تقدر من جاء بها من بلادها الفقيرة لتعيش في كنفه تأكل وتشرب وتلبس وتسكن، وتأخذ “المعاش” .. الخادمة متهمة عند بعض النساء حتى وإن برأها القانون والمحاكم الدولية لأنها وجدت هكذا في عيون ذوات العيون الكحيلة، والقدود النحيلة والخدود الأسيلة.
وللأسف الشديد، إن من اعتقدت أن الاسترخاء التام والأنفة الزائفة هي صفة الأكارم، نسوا أن هذا الجسد، المركب بيولوجياً، يحتاج إلى جبلته الأولى، وإلى دورته البيولوجية ليبقى صحيحاً معافى من الأمراض الخطيرة.. وسبب النسيان هو ثقافة الاستهلاك العقيم.


marafea@emi.ae