إذا تحدثنا عن السفر - 3
الذين يسافرون باستمرار للعمل وتلبية الدعوات والعلاج.
الخ، أو الذين يدمنون السفر حباً في التغيير والمتعة والترحال، لا يفكرون وربما لم يخطر ببالهم يوماً أن هناك آلافاً من الناس يعانون من رهاب أو خوف السفر ومحرومون من هذه المتعة.
هناك من يخاف السفر بالطائرة، لأنه يعاني من فوبيا أو خوف الأماكن المغلقة، وهناك من يعاني من قلق الخوف والإحساس بعدم الطمأنينة إما رهبة من فكرة الموت أو حدوث أمر طارئ يقود إليه.
هؤلاء الناس عادة لا يسافرون أبداً، ولا يغادرون مدنهم تحت أي عذر أو سبب، وبعضهم يتجاوز الرهبة بعض الشيء، فيستخدم السيارة أو الباخرة، عوضاً عن الطائرة، هذا الجسم المحلق على ارتفاع 40 ألف قدم بين الأرض والسماء، والذي ربما قد يسقط لأي ظرف طارئ في محيط ربما، وربما في مجاهيل غابات استوائية، الذين يفكرون بهذه الطريقة، يصعب عليهم ركوب الطائرات حتماً.
إذا تحدثنا عن هذا القلق أو هذا الخوف المرضي، فإننا حيال حالات تحتاج إلى علاج، وأدوية، وتمارين ونصائح، ففكرة الخوف من السفر غير منطقية أساساً، خاصة إذا كان مردها الخوف من حدوث أمر قد يقود الى الموت، لأن فكرة الموت في تفكيرنا فكرة ثابتة ومتجسدة أمامنا في كل لحظة ومن لم يمت بالسيف مات بغيره، تعددت الأسباب والموت واحد.
مع ذلك فلا يمكن إنكارها أو القفز فوقها، حيث يعاني ملايين الناس من رهاب أو خوف السفر، وهو خوف قد يحرم صاحبه من منافع وفوائد وفرص لا تعد ولا تحصى.
فهناك من رفض عروض عمل مغرية، خوفاً من السفر إلى بلاد أخرى، وهناك من اعتذر عن حفلات تكريم، ومؤتمرات وغير ذلك للسبب نفسه، دون أن ننسى السفر بحد ذاته كمتعة وبهجة ومعرفة واطلاع.
كان معروفاً عن عميد الأدب العربي طه حسين خوفه من السفر بالطائرة، وقد اعتذر عن كثير من المؤتمرات والمناسبات لهذا السبب، وقد استعان بالباخرة في كل أسفاره إلى باريس وبيروت وغيرهما.
أما نجيب محفوظ فكان لا يحب السفر بالطائرة ولا يفضل السفر ابتداء، حتى عندما دعي إلى السويد لتسلم جائزة نوبل التي فاز بها، اعتذر عن السفر وحلت ابنته نيابة عنه.
ومثلهما كان الموسيقار محمد عبدالوهاب الذي كان يرتعد خوفاً من ركوب الطائرة، لأن عرافة قالت له في شبابه الباكر: إنه سيموت في حادث طائرة، ولم ينكسر هذا الخوف الذي لازمه طويلاً إلا حين أمره جمال عبدالناصر بالسفر على متن طائرة خاصة مع مجموعة من الفنانين إلى سوريا، لإحياء حفلات فنية، احتفالاً بالوحدة بين مصر وسوريا، يومها سافر عبدالوهاب بالإكراه، وقد حمل ووضع في الطائرة بأوامر عبدالناصر.
الفوبيا، أو الخوف المبالغ فيه أي الخوف المرضي لا يشمل الخوف من الأماكن المرتفعة والضيقة والمظلمة و.
.
.
، ولكن حتى الخوف من السفر يدخل في تصنيف الفوبيا أو الخوف المرضي غير المنكفي وغير المبرر والذي ربما يرتبط في عقل الإنسان بحادثة معينة أو بفكرة تسيطر عليه ثم تتحول بفعل القلق إلى أعراض حقيقية كخفقان القلب والتعرق وعدم القدرة على النوم قبل السفر وغير ذلك.
هؤلاء الناس يحتاجون إلى زيارة طبيب فربما فتحت لهم هذه الزيارة بوابات الطائرات والمطارات والمدن والكثير من الفرص والمتع التي لا يتخيلونها.