سحر الكاميرا
كان الحساوي، ذلك المصور الفوتوغرافي بدكانه ـ ستديو التصويرـ الواقع على طرف شارع الشيخ محمد بن سالم حالياً، شارع الصباح سابقاً، برأس الخيمة، منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حسب بعض المصادر، بمثابة غواية جذبت الجميع إليه، لما يملكه من أدوات تقنية لفن التصوير وحرفية لا يملكها غيره، من السكان ومن مجايليه الذين كانت لهم علاقة بالكاميرا في ذلك الوقت، لذا صور الحساوي الكثير من الوجوه، خاصة الصور التي احتاجها الناس لأوراقهم الرسمية التي يقدمونها للجهات الحكومية وكذلك لجوازات السفر، صور أناقة الرجال بالزي المحلي، بالحطة الأنيقة للغترة والعقال والشكل الأنيق للدشداشة والوجوه الشابة المتطلعة إلى أفق جديد ومستقبل مشرق لهم ولبلادهم.
صور الأصدقاء وهم قرب بعض، حيث قيمة الصداقة عالية في ذلك الزمن، صداقة لا تخضع إلا لشروط المحبة والتعاون والتآزر، صداقة تأتي من معنى عميق في فن الصدق، صورهم وهم في وضع الابتسامة وتعابير الأمل تملأ وجوههم.
لقد صور وجوهاً كثيرة، منها مازال على قيد الحياة، ومنها من غادرنا منذ أمد بعيد، وأمد قريب، منهم من شهدوا نهضة البلاد واتحادها العظيم الشامخ في قلوبنا ورؤوسنا، في أفق الأرض وفي سماء عالية، وتابعوا تطورها ونماءها، شاهدوا أبناءهم وهم يكبرون، في حضن الوطن، يعملون ويسهمون في البناء، وهم يستلمون الراية منهم، ليكملوا المسيرة مؤكدين وحامين إنجازات البناء، وليتمموا الدرب برؤوس عالية وقلوب قوية.
وجوه كثيرة صورها ذلك المصور الذي، غادر الحياة، وما عدنا ندري ما هو المصير الذي حل بأشرطة الأفلام (النجتيف) وإلى أي مدى تعلق الحساوي بمهنته وسحرته الكاميرا، ماذا صور من الملامح القديمة في رأس الخيمة؛ لكن ما أتذكره في أواخر السبعينات من القرن الماضي، أن “الاستديو” الذي له كان يعمل فيه مصور من الهند، وأن الكثير من الجدران في رأس الخيمة ما زال يعلق عليها بورتيرهات بالأسود والأبيض، وأن الكثير من ألبومات الصور القديمة ما زالت تحتفظ بصور التقطت في ذلك الاستديو على شارع محمد بن سالم في رأس الخيمة القديمة.
???
منذ زمن بعيد، تبدل حال التصوير في العالم، وخرجت الكاميرا من الاستديو، ولم تعد حكراً على الحرفي في استديو التصوير، وأصبح يحملها الصغير والكبير، لها عشاق تسحرهم بقدرتها على التقاط المشهد وتوثيق اللحظة والشعور والتعبير، في إطار. لها مسابقات، وجماعات وفرق تلتقي حول العالم لالتقاط صور تنتمي لاهتماماتهم كتصوير الطائرات والمطارات والقطارات والسفن والطبيعة بجبالها ومحيطاتها وشجرها، فشغف الكاميرا واسع لا ينتهى.
وهاهي الكاميرا لم تعد أيضاً مجرد آلة تعكس المشهد المقابل فقط، بل إنها آلة تنقل شاعرية المشهد المقابل، وهي أيضاً تقوم مقام القلم حين ترصد اللحظة وتوثق حقيقة كان يمكن إخفاؤها لولا الكاميرا، فبقدر السحر الجمالي الطاغي للكاميرا، هي أيضاً كلمة حق، ومن يتعامل معها بحرفية يدرك جيداً معنى الكاميرا بين يديه.
فهل ستبقى الكاميرا تعمل في حياتنا لتلتقط ما يجب أن يتغير.. أن تكون عين راصدة بنزاهة؟
saad.alhabshi@admedia.ae