مشهد أبوظبي القديم على شاشة تلفزيون أبوظبي، يعرضه ويسرده، من جاوروا الحلم بجسارة، يشير بالبنان والبيان، بأن للعبقرية ذراعاً أطول من الصحراء، وأعلى من كثبانها الرملية الهائلة، مشهد يحقق للإنسان قدرة على الاستيعاب واستقطاب ملكاته الذهنية، ليجمع فصولاً من التذكر لهذه المدنية الضافية الطافية على سطح الأرض، مثل قارب عملاق أضيء بالبهجة، فاتسع شراعه ليكون ظلاً ظليلاً، وخلاً أصيلاً، وبللاً جليلاً، وفصلاً نبيلاً، يليق به أن يصيغ قلادة الواقع من ذهب النفوس الجميلة التي راهنت على تجاوز لظى الصحراء، فاكتسب الرهان بجدارة، وتجاوزت حدود الواقع بكل لباقة وأناقة. المشهد القديم، يوضح أن عبقرية الإنسان عندما تسطع في الليالي المعتمة، تجعل الأرض كوكباً منيراً، أثيراً ثرياً بالمعاني والدلالات الواضحة، فالطرق المدفونة تحت أمواج الرمل، وبيوت الجص والطين والجريد، باتت اليوم أشجاراً سامقة، مورقة بالزجاج الملون المنقوش بزخارف الحب والانتماء والوفاء للأرض والإنسان والبنيان. المشهد القديم، حضارة ولت فأزهرت الأرض بعدها، بوجدان العشاق، وأصحاب الأعناق العالية، والأشواق المطلية بزعفران المجد والوجد، والجد والسؤدد. المشهد القديم، يحضر في ذاكرة الأولين، كسحابة مرت وجاءت بعدها مزن الخير على أيدي سعاة الأمل والفضل والنبل والأصل، والحلم الجميل الأصيل. هؤلاء الذين أثبتوا للعالم أنه ليس بالنفط وحده يحيا الإنسان، وإنما بالإرادة الصادقة والعزيمة الصلبة، والقلوب الوفية الندية السخية، الثرية بمعاني الخير والإصرار والتصميم على صناعة الغد من خيوط الحرير، وصياغة الواقع من شفرة العبقرية التي لا تقف عند حد ولا تتوقف عند سد، بل هي نهر خالد، سائد ماجد، ناهد، فارد أجنحة العطاء بكل سخاء ووفاء، نهر النفوس للصحراوية النقية الصافية التي لا تنظر بقدر ما تؤطر الواقع بفعل وعمل، لتجعل الأرض ومن عليها يستنيرون بقناديل الجهد والبذل، ويصيحون على خير من يعمل بإخلاص وصدق، ولا يتوانى أبداً في إيصال الجملة بالجملة، لتصبح العبارة، وطناً زاهياً زاهراً مزدهراً، بعطاء أبنائه ومن ينتمون إلى ترابه الطاهر. هذه هي عبقرية الصحراء، هذه هي إبداعات صلب التراب وترائب الناس العاشقين، في فرادة لا مثيل لها على مدى التاريخ، وفي جَلَد لم يشهد له الكون صورة إلا صورة هذا الوطن النموذج، والمثال الذي يحتذى. المشهد القديم، يؤكد بقوة وصلابة أن العبقرية ظاهرة تاريخية فريدة، وعندما تلامس الأرض، يصبح التراب في الوعي، قصة البدء كما ذكرها الفيلسوف العربي إبن طفيل في روايته الأسطورية «حي بن يقظان»، والتي يدلي بها عن تصرف الإنسان في صناعة المعجزات، عندما تكون العبقرية حاضرة وجلية وغنية بالمعطيات. المشهد القديم، نقطة ضوء في الذاكرة، تؤسس لنظرية مكانة الإنسان في الإبداع عندما يكون حاضراً في العبقرية.