واقع تويتر.. حقيقة
منذ فترة وأنا أتساءل حول ما يحدث في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، هل هو أمر طارئ ومؤقت سينقضي بزوال ظروفه؟! أم أنه انعكاس طبيعي للمجتمع الذي نعيش فيه ولكني لا أعرفه؟ هل حقا نحن البشر نميل أكثر إلى الغوغائية في أفعالنا عندما تحين لنا الفرص لذلك؟ هل سلوكنا المتحضر ما هو إلا قشرة مؤقتة للب فطري ينزع للبدائية والهمجية؟ يميل البعض إلى القول إننا نعاني انفصاما في الشخصية العربية يعود لمنظومة القيم والقيود الدينية والاجتماعية حول هذه الشخصية والتي تجعلها تنزح إلى التمرد بعيدا عن هذه القيم كلما توافرت لها فرص لذلك. وهو ما توافر في بيئة “تويتر” حيث يتحرك الجميع في محيط لا قيود فيها، عالم لا قانون له ولا رادع، واقع مغر لدرجة الجنون في الجنوح لأقاصي الأشياء.
تقول الكثير من الدراسات إن مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة من أهم أسباب تغير سلوك البشر، كونها أصبحت مصدرا رئيسيا للشعور بالقلق والتوتر؛ وحسب ما أرى أن هذه الدراسات متواضعة جدا في نتائجها، فما هو واضح وجلي، أن أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة إنما أظهرت لنا السلوك الحقيقي للبشر، ذلك السلوك المخفي عنا طوال الوقت في الواقع المعيش على الأرض، حيث مظلة القانون والقيود الاجتماعية؛ والسلوك الحقيقي للبشر تظهر عندما تتصرف فيه النفس الإنسانية على طبيعتها الحقيقية بدون الخوف من عقاب القانون أو التقاليد أو حتى نبذ المجتمع! إذن، ما نراه في أرض الواقع الذي تفرض فيه القوانين والتشريعات والأعراف بواسطة السلطة أيا كانت سياسية أو اجتماعية..، لا يعكس الطبيعة الحقيقية للبشر إنما يطمس اختلافاتهم الطبيعية!
قد يعتقد البعض في القول إن التطرف في السلوك الإنساني الناشئ عن غياب السلطة والذي يقترب كثيرا من الفوضى الشريرة يعود إلى عوامل خارجية أدت إلى ذلك، فما ينتج هو نتيجة قهر وظلم سابق، غير أن واقع التجربة التي نعيشها الآن في بيئة “تويتر” -أو مستقبلا في حالة اختراع وسيلة تواصل بعيدة عن يد القيود القانونية والمجتمعية- يؤكد أن سلوك بعض الأفراد المتطرف نابع من طبيعة أصيلة لدى البشر، لا ظلم سبقها ولا قهر تسلط عليها، بل رغبة في التعامل مع الحياة بطبيعتهم لا بحسب السلوك المفروض عليهم.
مفاجأة “تويتر”: ليست باكتشافنا أن هناك بشرا لهم سلوك متطرف، وإنما المفاجأة بالنسبة لي مدى بلاهة اعتقادنا الأبدي والمتوارث أن على البشر جميعا أن يكونوا متشابهين؛ المفاجأة الحقيقية هي اكتشافنا كم نحن مخطؤون في استغرابنا من سلوك الآخر عندما يخالف توقعاتنا؛ كم نحن سُذج باعتقادنا أننا على دراية بكل معطيات وخلفيات الآخرين وبالتالي لدينا اليقين بأن سلوكهم يجب أن يكون ضمن توقعاتنا، وإن من خالفها يجب أن يعاقب كونه جاء خلاف ذلك؛ فيما الحقيقة أننا نعاقبه لأنه أثبت فشل توقعاتنا.
السعد المنهالي | als.almenhaly@admedia.ae