ابحثوا عن جهينة!
لكل كائن لغته الخاصة عن الحب والكراهية والإغواء، عن السعادة والفرح والحزن، كما أن له تعابيره المتفردة عن سر الدموع، وبريق العيون، ومرأى من يسر القلب، الأسد يحب، والطائر يحب، لكن التعبير مختلف، قبلة الشاب الحالم الهائم، حين تنفرج نافذة الحبيبة المواربة على استحياء، تختلف عن قبلة الأرملة الرمادية الطروب أو قبلة المرأة العنكبوت، غناء حمام الراعبي في ظل النخيل، بالتأكيد يختلف عن عواء ذئب البريّة، ورجفة الأصابع في أول لقاء، تختلف تعابيرها عن نظرات الوداع، الأم لها تعابيرها عن الحب، والأخت لها تعابيرها، قد لا يتشابهان، ويختلفان بالتأكيد عن تعابير الأب، المخلص له تعبيره، والخائن له تعبيره.
الخطاب السياسي الديماغوجي يختلف عن خطاب المثقف، خطاب الرئيس الذي يقود كتلة وطنية للمقاومة يختلف عن خطاب الرئيس الآتي على ظهر دبابة يريد سحق الاستعمار من أول بيان إذاعي، خطاب المنتصر يختلف عن خطاب المنهزم، خطاب كسب الود ونيل الأصوات يختلف عن خطاب التحذير لمظاهرات جماهيرية تطالب بالتغيير، خطاب الديمقراطية الحقيقية، يختلف عن خطاب ديمقراطية الاستهلاك، خطاب في الأمم المتحدة، يختلف عن خطاب عيد الاستقلال، خطاب الدول النامية، يختلف عن خطاب الدول العظمى في مجلس الأمن، خطاب المدينة يختلف عن خطاب القرية.
يمكن أن تدخل إلى سوق الخضرة لكنك تسمع خطابات مختلفة على بضائع متشابهة، تماماً كالأحلام فشخصان قد ينامان على سرير واحد، لكن أحلامهما بالتأكيد تكون مختلفة، الحداد حين يرجع إلى زوجته يكون لديه خطاب، لكن خطابه يختلف عن خطاب المحامي الذي يفخر ببدلة المهنة، وعنده تطلعات سياسية واضحة، ويقود سيارته الجديدة، ويقفل راجعاً إلى بيته، لتستقبله زوجته العاملة، لغة الطبيب تختلف عن لغة المريض، لغة التاجر الرابح تختلف عن لغة التاجر الخسران، الصمت لغة، ولغة عميقة أيضاً، لا يجيدها إلا البلهاء والحكماء، البلهاء يتلعثمون ويخطئون.
وحدهم الحكماء يقولون ما لا تقوله السطور، بل ما تخبئه الصدور من سر القلم، وحكمة النون، للمعلم لغته الإرشادية، للجزار لغته «التقطيعية» للشرطي لغته التحذيرية دائماً، والعسكري له لغته الآمرة والشديدة في كل الظروف والأحوال، للطيار الصامت طوال الطريق لغته الأخيرة والقليلة، للمضيفة لغتها المفرحة، المطاطية كعلكة دائمة الحلوى، لغة فضائية بحروف مغنجة، بحيث المطب الهوائي يختفي بين ثنايا حروفها المنزلقة، وأمر ربط الأحزمة ينصاع له «عطران الشوارب» كلام من نعشق ونهوى، هو الوحيد الذي نستقبله دون ملل، ويقلط على الشارب، ونفداه بالعيون، لغة السكرتيرة نقبلها، ونختلق للمدير أعذاره الكثيرة!
وحده شيخ «الجزيرة» القرضاوي لا يختلف خطابه في الافتراء، وفي الإفتاء!
اللهم أدم نعمة الصحة والعافية على «أبو سلطان»، وألبسه ثوب السعادة دائماً.. وأبداً.
amood8@yahoo.com