تمشي الأمم جماعات جماعات زحفا باتجاه الشمس. تمتطي ماضيها وتستغيث به كلما واجهتها في الدروب صخور التحدي وكمائن المتربصين ضد النور. والأمم العظيمة هي التي تواصل مرورها الشاق نحو الضوء مهما اشتدت ضدّها الرياح وعاندتها الظروف أو تأخر عثورها على الماء والنار والكلأ. والانتصار في سباق الأمم يبدأ أولا بهزيمة الوهن الداخلي، روح كبيرة تسري في الأبدان وتبث في أعماقها شهوة القفز، يتبعها نهوض ووثب، ثم يطرد اليأس مرفوسا، مدفوعا بثيابه البالية من غرفة الجماعة. وبعدها تبدأ رحلة الانطلاق التي لا تتوقف أبدا. وللبقاء في الاتجاه الصحيح نحو المستقبل، قد تلجأ أمة إلى بتر الأطراف التي فسدت وامتد العفن إلى نخاعها، واستئصال الورم الخبيث من العقول التي تشذّ بأفكارها بعيدا وتحاول أن توقف الركب أو إبطاء ممشاه. تمشي السلاحف بالآلاف ركضا باتجاه البحر. سعيدة بالانغماس في الموجة وبتذوق طعم زبدها العذب. وهي، وان تفرقت عند ارتفاع الموج، إلا أنها تعود لتلتقي جماعات في الأعماق لتبدأ رحلتها الطويلة في المحيطات، سلكا على الدروب التي عبرتها كل سلالاتها من قبل. وأن حدث يوما أن انحرفت السلحفاة عن طريقها، فقد يقذف بها التيار الشديد إلى اليابسة. وساعتها قد تسبق الأرنب في قصص الأطفال، لكن الناس سيتخذونها مثلا للبطء. وقد يلبسها الجنود قبعة لتمويه العدو في الغابات، لكنهم في الليل يسلقون لحمها ويطعمون به الكلاب. وهي أن نجت من كل ذلك، ربما ظنها العصفور صخرة واستراح على ظهرها، لكن النسر سيعود ليحملها عاليا ويرميها لتتفتت من غير أن يندم عليها أحد. هذا مصير من تغويه المسالك المريبة فيترك جهله يقوده في مماشيها إلى أن يهلك بعيدا وغريبا عن تربة الطيب التي احتضنت سلالاته من قبل. يمشي الجبناء إلى الخلف، هذه عاداتهم في المواجهة. قد يتقدمون معك قليلا في لحظات النسيم، لكنهم يفرّون أسرع من ورق الأشجار حين تهب العاصفة، وعندما تلتفت لن ترى لهم أثرا سوى نعالهم. مسكين حقا من يكون نعله أشجع منه. أما الأمم العظيمة فلا يعيق تقدمها انسحاب الجبناء الذين تراهم في آخر الركب عادة، أو أولئك الذين ينسلون من تحت غطاءك في جنح الليل غير مكترثين حتى لو تركوك عاريا في البرد. تمشي العقرب في اتجاه دائري، تتسابق مع ظلها كلما ارتفعت الشمس. لكنها تعود لتستقيم حين تواجه الآخر أي كان. ترفع رمحها وتعرف أين تنشبه في طعنة الموت حتى لو كان هذا الآخر بريئا ونبيلا ومحبا. وصعب على الأنا العقربية هذه أن تنتمي لأي جماعة، ولذلك تعيش معزولة في غرور عظمتها الوهمي، وتموت في النهاية مطعونة برماح أبنائها. أمشي على الماء لو يناديني صمتكِ أحلّق فوق جرح الانتظار واكسر عقرب ساعتي لو يدقّ، مرةً في المدى صوت اسمك واعرف بعدها أين تلتفتين akhozam@yahoo.com