بعض البنوك تتصرف كالبعوض، فلا تكتفي بمص الدم حتى تشبع وترتوي، بل تعمد إلى ترك لسعة مؤلمة، وتصوروا إذا كانت لسعة البعوضة مؤلمة، وهي بذلك الحجم الصغير، فما بالك ببعوضة بحجم مصرف إسلامي وطني ضخم، لابد أن لسعته أكثر إيلاماً من لسعة البعوضة، ولابد أنه لن يكتفي بمص نقطة دم، بل سيحتاج إلى لترات من الدماء. ويبدو أننا في زمن استغلال الدين، فمثل هذه البنوك تتوشح بعباءة الدين، وأنها متوافقة مع الشريعة، لكنها تنسى أول مبادئ الدين، وهو أن الدين معاملة، بل تتناسى أنه لم تعد هناك فروق متفاوتة بين البنوك سوى الخدمات والمعاملة، فالعنجهية التي تتعامل بها بعض البنوك مع عملائها أمر مرفوض، وهي بالتأكيد ما ترفضه إدارة البنك، بدليل أنها تصرف الملايين على الإعلانات، وعلى حماية السمعة والعلامة التجارية. قبل فترة لجأت إلى المصرف المركزي لينصفني من عنجهية أحد البنوك الإسلامية، بعد أن قضيت دهراً أركض وراء الموظفين، ومن فرع إلى فرع، حتى تاهت معاملتي بين الفروع، ولم يعد لدى أي أحد من موظفي البنك رغبة في اتخاذ الإجراء المناسب والمتبع، لكن إذا كنت أنا قادرة على الوصول بالشكوى إلى هذا المستوى فإن غيري قد لا يعرفون وجود مثل تلك الخدمة، وهل يجب أن يتحول المصرف المركزي إلى منصة للشكوى على البنوك العاملة في الدولة أم أن البنوك يجب أن تتبع معايير واضحة ومقننة لا لبس فيها ولا خطأ، لأنها تتعامل مع حقوق الناس، ومع مواردهم، ويفترض فيها الثقة والأمانة، وليس التدليس واستغلال الثغرات التي قد لا ينتبه لها العميل الذي ليس ملزماً بالتخرج في كلية العلوم المصرفية قبل التعامل مع البنوك. قال لي موظف كبير في البنك العتيد مبرراً ما حصل: «إن بعض الموظفين ينقصهم الذكاء العاطفي، ومؤشر موازنة الأمور، والثقافة العامة، فتجدهم يجتهدون بغباء، فهم يسعون لعدم خسارة البنك، وذلك أمر كامن في منطقة اللاوعي لديهم، لكنهم من غير قصد قد يسيئون لسمعة البنك ولصدقيته التي يصرف الكثير من أجل بنائها بشكل تراكمي، فهم يتسببون في خسارة البنك بشكل أعظم من خسارة بضعة آلاف من الأرباح، إن الخسارة في السمعة لا تقدر بثمن». منذ قديم الزمان عرفت البنوك بالديناميكية، وبسرعة الإنجاز، لأن هناك بيئة تنافسية، ولابد من جذب مزيد من العملاء، والمحافظة على العميل، وخلق ولاء لديه مهما صغر حجم رصيده، غير أن بعض البنوك لم تعد تضع تلك المعايير في اعتبارها، ربما لأنها اكتفت بعد أن حققت أهدافها الربحية للأعوام القليلة المقبلة. bewaice@gmail.com