سلاماً أيها العيد
“العيد لا يانا ولا مر حاشا ولا بالعين ريناه
العيد خطّف ساحل البر وين الجدم زاهي بحنّاه”
هذا ما تردده أمي كلما أوشك عيد أو جاء.. لكأنها تحفر في ماض يظل حاضراً في ذاكرة تأبى الغياب في النسيان.. أو إنها ذاكرة تؤكد الوجود الحي لامرأة تتحدى معول الزمن بتيقظ وتوهج نادرين.
وبينما يصدح صوت أم كلثوم بأغنيتها الحلوة “يا ليلة العيد قابلتينا وجددت الأمل فينا”.. تتنهد أمي وتعيد جملتها التي لا أحبها أبدا ففيها ذلك التضمين الذي يهددنا دوماً ولا ينطوي إلا على الرغبة في مصادرة حقنا حتى في فرح عابر نهندسه بأمل عله يتحقق: “العيد مب من لبس ثوب يديد، العيد من حاتى يوم الوعيد” فأكرر جملتي أيضا: أنا سألبس الجديد يا أمي واحسبي أنت حساب يوم الوعيد: فتختزل ابتسامة تنطوي على التحذير من قول كهذا تفسره كفرا أو يشي به.
هكذا يدور الكلام باختزالات بيننا ولأوضح لها حسن نواياي أشرح لها معنى رغبتي في فرح لا ينطوي إلا على الفرح.
ولعل أمي ليست بحاجة إلى تذكيرنا بذلك الوعيد البعيد.. فهو يقف بالمرصاد في هذا الزمن الذي يحصد خطواتنا في كل منعطف وزاوية ورصيف.. فثمة من نصب نفسه منفذاً لإرادة خفية ليست مباركة من الخالق على أي حال.
وأصبح الوعيد عقاب بيد بشر مثلنا، ولم يعد وعيدا يضمر وعدا بما سوف يكون، بل حقيقة فادحة دموية تأبد الموت سيدا وتفني بالجملة لا بالمفرق، وبالتساوي لا بالتفريق بين طفل لا ذنب له سوى براءته! وشاب، وشيخ وامرأة ورجل وحيوان أو جدار!
ما الذي يستطيعه الإنسان العاجز الذي أصبحت مشاهدة الفظائع جزءا من ذاكرته اليومية على مدار الساعات والزمن. وأصبحت الحسرة منشارا يقطع في ذهابه وفي إيابه، أي ذرة لفرح متطاول أو مفتعل!
ماذا نفعل غير كبت الألم والغضب وحبس الدموع في الحلق وفي مجمرة القلب!
كيف يحدث كل هذا الموت الذي أصبح غاية تفوق غاية البقاء، وحقيقة تفوق قدرات الخيال مجتمعة في أقصى شطحها وغرائبها.
لماذا يموت الشباب وهم قوة الحياة والإبداع والمستقبل ويبقى الجبناء مختبئين في جحورهم، يكتنزون العافية والرفاه؟ ويصرحون ببجاحة نادرة على إفناء الأرض ومن عليها!! بينما يمضي الشباب مزنرين بالموت؟
أي عقل هذا الذي بلغ من الوحشية حد الهول وبلغ من الاستهتار بمنطق الحياة وإرادة الخالق، ويدعون زورا وبهتانا أنهم ينفذون إرادته؟
ماذا أكتب، وماذا أستطيع أن أقول، وقلبي نازف ونبضي يؤلمني؟
أي أكذوبة بالغة البشاعة نعيش، نحن المتفرجين، العاجزين، المستلبين بضلالات لا حصر لها، ولا عقل يعقلها، وليس لها سند من منطق لا في التواريخ السحيقة، ولا في عصر البداءات، ولا في أزمنة السدم والعماء!!
hamdahkhamis@yahoo.com