كانت المكتبة ضمن المقرر الأسبوعي للحصص، فاخترت أن أشرف على مكتبة المدرسة. فرحت ابتكر الوسائل الأكثر جدة وإغراء لجذب اهتمام التلميذات للكتب، أو ما سمي بـ «المطالعة الحرة» وكنتُ أولي أطفال المراحل الابتدائية عناية خاصة، على عنايتي بالمراحل الإعدادية لعلمي بخصوبة هذه المراحل من عمر الإنسان. كانت حصة المكتبة من امتع الحصص بالنسبة لي وللتلميذات، خاصة للمرحلة الابتدائية. ففي حين أن الحصة بين تلميذات الإعدادية كانت تنحصر في الاستعارة والتعريف الموجز ببعض الكتب، كنت اقرأ القصص على الصغيرات، اللاتي لا يحسن القراءة بالضرورة. ولأني كنت أجسد القصص تمثيلياً بأصواتها المتعددة، فقد كانت الصغيرات ينصتن باستغراق للقص، بتلك الطريقة الساحرة التي اشتهرت بها الجدات. وقد نجحت الطريقة نجاحاً جميلاً مما جعل الحصة الأسبوعية لا تكفي لأسئلة التلميذات، واستبدال الكتب المستعارة واختياراتهن، فرحت أحل محل المدرسات في حصص الاحتياط، وقررت فتح باب الاستعارة يومياً أثناء الفسحة. وكانت ضجة البنات في المكتبة وتدافعهن على طلب القصص يملؤني بالبهجة والفرح. كنت اؤمن وما زلت، أنه كلما قرأ الإنسان وازدادت ثقافته ومعرفته، تفتحت مداركه العقلية وتعاظمت طاقته الروحية، ونما ذكاؤه وقدرته على استيعاب المناهج الدراسية، وأصبح أكثر حرصاً على النجاح والمواصلة. إلا أن الثقافة الاجتماعية للناس والواقع لا يقولان ذلك. فقد بدأت المدرسات بالتذمر لانشغال التلميذات بقراءة القصص، والكتب (الماصخة)على حد التعبير الشعبي. وحين سألتهن عن تأثير ذلك على مستوى تحصيلهن الدراسي، صمت بعضهن وأجابت أخريات بشيء من الحرج أن بعض التلميذات تحسنت درجاتهن فعلا وأصبحن أكثر استجابة ونشاطاً في الفصل. وفي أحد الإيام بينما كنت وسط ضجة التلميذات في المكتبة، دخلت ناظرة المدرسة فجأة فصمتت البنات ودون أن تستأذن أو تشير إلي، أمرت التلميذات بالخروج من المكتبة بفظاظة مشيرة الى أن عليهن الاهتمام بالدروس فقط!! ولما اشتكتني إلى الوزارة، واستدعيت للتحقيق معي، قال لي المسؤول مازحاً، وقد كان زميلي في الجامعة: (انتِ مثالية أكثر من اللازم). مذّاك، وأنا أخلط خلطاً عجيباً بين المثالية والواقع، وما يلزم وما لا يلزم !!.