أنسلّ من قدري قليلاً لأحفر في المرايا علني اكتشف وجهك النوري. كنت صغيراً حين مر الخوف فوق أجنحتي واختفى طيفك من شرودي، ثم كبرتُ، ارسم شكلاً في الدفاتر يشبه الشمس حين تبسمت فتورمت لها وجنة الورد. وكانت الريح تعبث في الأوراق تنثرها في اتجاهات الف، لكني لم اخش ضياعك في الأوراق، وتمسكت بقلمي احفر به كل يوم على الرمل شكلاً تمحيه الموجة. ولكي اقاوم موتك في الفكرة ابتدعت القصيدة وسميتها الحياة، ثم سميتها لحنكِ وانت تغنين لي في الصمت وانا اصغي إلى الجدران التي ارتفعت بيننا.. امسح غمامة الوهم فيظهر شكل روحك منسابة في النسيم. يشمّك البعيدون ولا يرون سوى تنهيدة اطلقُتها يوم مرّت عيونك قرب قلبي فارتجفت الاشجار، وعوى في الوديان البعيدة ذئب انتظارك الذي اصارعه الآن. أهرب من الظلال واقفز فوقها كلما عبرت بين الحشود التي ازدحمت قرب باب احتمال خروجك للعلن. لكن الابواب لا تستر الا الظلال، والنوافذ المسدولة استارها لا تمنع الا عيون الزائغين. وانا، قبل ان ارى النور، عشتُ في هيام ابدي اركض نحو المعنى وهو ينأى في سراب ارتحالك. كلما نصبت صارية كسرتها ريح التردد، وكلما رفعت شراعا حرقته نار الخوف. لكني لم اخش ضياعك في الترحال، وتمسكت بقلمي انقش به في الهواء صارية الأمل واترك لبوصلة القلب ان تقود اسراب نوارسي الى حيث يأتي النور حين تلتفتين الى الوراء وتجدينني عالقا في خصلة من شعرك الطويل. أدوس على جمر الحقيقة غير مكترث لو تبخرت خطواتي في الدروب التي لم يطأ رملها أحد قط. ذاهبا لاخماد البركان الذي اشتعل في القلب حين وُلدتُ وعلى فمي صرخة هي نداء لروحك. لم اعثر في وجوه احبّتي على معنى الحياة، ولم يشته آدم الروح سوى تفاحة المستحيل التي تنامين تحت غصنها. ولكي افوز قبلك بالعقاب، رحت اصارع الافعى المربوطة في رجلي مثل قيد. حملت نار الفناء اعبر بها وسط ثعالب الغدر ووصلت قبل ان يفيق ظلكِ. وكانت قضمة المعرفة، حتى قبل ان تنزل في الحلق، سببا لكي اتبع غموضك في الاكوان وانتهي محتارا ضعيفا على الارض. ارى النقيض مجذوباً الى ضده وهما يتنافران طول الدهر. وارى الاضداد تتصالح حين تمرّين. اكتسي بالريش محلقا فوق المياه مرتفعا فوق جبال يأسي لو تناديني: تعال. راكضا أهزم العناد افكُّ لغز المتاهات أكشف سرّها لو تناديني: اقترب. الارض اطويها في قفزة حرة وانا اسبق الكلام قبل ان ينطق باسمك الكون ويُبعث النور ويُخلق القلم. كل ذلك يحدث لو تنادينني في صمتك. اغسل الكلمات في النهر واجففها لكي يرتديها الشعراء وقت مرورك على جسر الدنيا. يمينك الشمس وابتسامتك القمر. لكنك، مثل الحقيقة، لا تعبرين النهر مرتين، ولا تصلح الكلمات لوصف ما يعجز عن مسكه الماء. وانا ان تطاولت يوما لأنطق بالحقيقة للمرايا، يجف حلقي، وتتيبس الحروف في الجوف وتنكسر. akhozam@yahoo.com